هكذا تمكّنت المعارضة السورية من خداع نظام الأسد وإسقاطه
كانون الأول 30, 2024

أحد عشر يوماً كانت كافية لإسقاط نظام بشّار الأسد وإنهائه وفرار رئيسه من سورية، لكنها كانت مسبوقة بخطة محكمة تمكّنت فيها المعارضة من خداع النظام وحلفائه وتسديد الضربة القاضية له في العاصمة دمشق وأسقاطه، فكيف حصل ذلك.

اعتباراً من العام 2020 بدأت المعارضة السورية في الشمال السوري المحرر تعدّ العدة وتجهّز نفسها لهذا اليوم. بدأت الاستعدادات من خلال تأسيس نواة حقيقية لقوات شبه نظامية منضبطة وتمتلك الكفاءة العالية في إدارة العمليات العسكرية وفق خطط وبرامج تعمل عليها جيوش كبيرة. ثمّ الشروع في اعتماد مناهج تأهيل وتدريب عالية الدقة على مستوى اللياقة والاستعداد النفسي والبدني واستيعاب التعامل مع الأسلحة والمعدات الحديثة ومنها طائرات "الدرون" وغيرها. كما تضمّنت الاستعدادات بناء أجهزة أمنية متخصّصة وغرف عمليات تتميّز بالاحترافية والدقة، وتمكّنت الأجهزة الأمنية من اختراق جيش النظام وأجهزته وبيئته، والتعامل معها باحترافية عالية.

كما تميّزت المعارضة هذه المرّة بدراسة الأحداث والمناخ الدولي والإقليمي والإفادة منه بما يصبّ في صالحها من دون إحراق المراحل أو الاكتفاء في السيطرة على إدلب وبعض الأرياف في الشمال السوري وإدارته.

الخداع الاستراتيجي

مع انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في فلسطين، أدركت المعارضة أنّ المتغيّرات في المنطقة ستأتي عاجلاً أم آجلاً، كما أدركت من قبل أنّ النظام السوري استمر بفعل الدعمين الروسي والإيراني، وبدونهما لا يمكن أن يصمد أو يستطيع البقاء، ولذلك أخذت بعين الاعتبار السيناريوهات التي يمكن أن تتمخّض عنها المعركة، ووضعت خططها لاغتنام اللحظة التي يمكنها فيها تسديد الضربة القاضية للنظام.

خلال فترة التحضيرات الخفية سرّبت المعارضة عن عمد إلى النظام بعض الخطط التي وضعتها والتي تمحورت حول التحضير لمعركة محدودة تستعيد فيها المعارضة بعض المناطق التي خسرتها وتصنّف على أنّها مناطق "خفض تصعيد" وهي لا تتجاوز بضعة قرى وبلدات في ريفي أدلب وحلب، وكان هذا التسريب الطعم الذي ابتلعه النظام وتعامل معه من خلال رفد الجبهة في هذه المنطقة بمزيد من الاستعدادات والحشود، غير أنّ المعارضة كانت قد أخفت في خطتها الحقيقية خطوة المفاجأة التي تمثّلت بالإغارة على قوات النظام من الخلف.

لقد تمكّنت المعارضة من تسريب العديد من عناصرها غير المعروفة والمدرّبة بشكل ممتاز إلى الخطوط الخلفية للنظام حيث غرف العمليات والتحكّم والسيطرة، خاصة في حلب. كما تمكّنت من تسريب عشرات بل ربما مئات العناصر من فرقة "العصائب الحمراء" وهي فرفة نخبة النخبة لديها إلى قلب العاصمة دمشق، وربما حصل ذلك بترتيب أو تنسيق مع بعض ضابط النظام ممن باعوا النظام ونخلّوا عنه.

في حلب وفي لحظة الهجوم على المواقع المشمولة بالخطة الوهمية المسرّبة للنظام، تفاجأ قوات النظام بالسيطرة على غرفة العمليات العسكرية في مدينة حلب والتي كانت تدار من قبل ضباط إيرانيين وقتل جميع من كان في الغرفة، وقام بهذا الهجوم أربعة من رجال "العصائب الحمراء"، وقد كان هذا الهجوم الناجح كفيلاً بإرباك كافة القطاعات وفقدان السطيرة والتحكم بها، وحصول الانهيار السريع بالقوات وهروبها من حلب، وقد كان لهذا الحدث تأثيره على بقية الجبهات التي راحت تنهار تباعاً.

وفي حمص كانت الخديعة الأخرى، حيث كانت خطة إدارة العمليات العسكرية تقضي يإيهام قوات النظام وحلفائه أنّ المعركة الكبرى ستكون في حمص، غير أنّ الخطة الحقيقية كانت تقضي بإشغال قوات النظام وحلفائه لفترة محدودة في حمص ومن ثم الانقضاض على العاصمة دمشق بشكل سريع وخاطف.

وبالفعل شاغلت بعض قطاعات المعارضة قوات النظام في حمص لفترة محدودة، فق وقت تمكّن رجال "العصائب الحمراء" من الوصول إلى مشارف العاصمة دمشق من خلال طرق في البادية السورية وصولاً إلى الجهة الغربية من دمشق حيث كان النظام يعتبرها جهة آمنة، ومع وصول طلائع "العصائب الحمراء" إلى مشارف دمشق أعطيت الأوامر لرجال "العصائب" الذين كانوا تسلّلوا في وقت سابق إلى العاصمة بالتحرّك، وبالفعل باغت هؤلاء شكل سريع وخاطف قوات النظام في قلب العاصمة وهو ما دبّ الذعر والخوف في قلوب قادة قوات النظام الذين ظنّوا أنّ أرتال قوات المعارضة قد دخلتها وهنا حصل الانهيار والسقوط المدوّي وفي تلك اللحظة قرّر بشّار الفرار والهرب.

تجدر الإشارة إلى أنّ قوات المعارضة السورية كانت أيضاً قد تحركت من ناحية الجنوب السوري ووصل أيضاً إلى مشارف دمشق في تلك الليلة وهو أيضاً ما ساهم في القضاء على أيّة فرصة للنظام للمواجهة والقتال.

وقد تأكّدت هذه الروايات من أكثر من مصدر في روايات المعارضة أو في روايات أتباع النظام وشهاداتهم.