رسم المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن
المهندس، مراد العضايلة، موقف الجماعة من التطوّرات الأخيرة في مشهد المنطقة، ولا
سيّما من دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ملك الأردن لاستقبال المزيد من
الفلسطينيين من قطاع غزة تحت العنوان الإنساني في محاولة تعكس برامج ترمب لتهجير
الفلسطينيين من غزة ومن الضفة الغربية وهو ما يخشاه الأردن بشكل كبير، وكشف المهندس
العضايلة في بوكاست "السبيل" عن مواقف الجماعة في ظل ما يشهد الأردن
والمنطقة العربية من تغيرات سياسية واستراتيجية كبرى تفرض تحديات غير مسبوقة على
صعيد الاستقرار الداخلي والعلاقات الخارجية.
تطرق العضايلة إلى تصريحات ترامب الأخيرة بشأن تهجير
الفلسطينيين إلى الأردن، معتبرًا أنها ليست مجرد تصريحات انتخابية، بل جزء من
مشروع سياسي أكبر قد يتبلور خلال الفترة المقبلة. وأوضح أن هذا الطرح يأتي في إطار
الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الأردن، والتي بدأت بوقف المساعدات واستدعاء
السفيرة الأمريكية في عمّان، ما يشير إلى محاولات لابتزاز الأردن سياسيًا.
وأشار العضايلة إلى أن الفلسطينيين في غزة، رغم القصف
والدمار الهائل، رفضوا الهجرة، وهو ما يعكس صلابتهم في مواجهة الضغوط. لكنه حذر من
أن التصريحات الأمريكية قد تكون اختبارًا للموقف العربي، وأن الأمر لا يقتصر على
غزة فقط، بل يشمل الضفة الغربية ضمن ما يمكن أن يكون "صفقة قرن جديدة”.
وأكد أن هذه المخططات تهدد استقرار الأردن وهويته
الوطنية، معتبرًا أن الأردن ليس مجرد "سلعة” يمكن التلاعب بها، وأنه يمتلك من
الأوراق ما يمكنه من مواجهة هذه التهديدات، ومنها موقعه الاستراتيجي في المنطقة،
والتفاف شعبه حول موقف رافض لأي محاولات لفرض واقع جديد.
الدور الأردني في مواجهة الضغوط: خيارات الدولة والمجتمع
تحدث العضايلة عن ضرورة اتخاذ مواقف أقوى من قبل الحكومة
الأردنية، مشيرًا إلى أن الأردن يمتلك أوراق ضغط مهمة، منها القواعد العسكرية
الأمريكية على أراضيه، والموقع الجغرافي الحساس الذي يجعل استقراره أمرًا ضروريًا
للمنطقة.
ورأى أن الأردن يمكنه الاستناد إلى الموقف الشعبي الرافض
لهذه المخططات، وإلى مجلس النواب الذي يضم كتلة قوية من المعارضة، يمكن أن تلعب دورًا
في دعم قرارات الدولة. كما أكد أن أي محاولات للعبث بمنظومة التحديث السياسي في
الأردن ستكون ضربة للاستقرار الداخلي، خاصة في ظل الظروف الحالية التي تحتاج إلى
وحدة الصف الداخلي.
وأشار إلى أن الأردن سبق أن واجه ضغوطًا كبيرة في
التسعينيات، لكنه تمكن من الصمود رغم وقف المساعدات الخليجية والأمريكية، وهو ما
يعني أن الأردن قادر على تكرار هذه التجربة إذا توفرت الإرادة السياسية والشعبية.
التطورات في فلسطين: الطوفان والتأثير على المنطقة
انتقل الحديث إلى الوضع في فلسطين، حيث وصف العضايلة
عملية "طوفان الأقصى” بأنها حدث تاريخي غير مسبوق غيّر موازين القوى في المنطقة،
وجعل من المشروع الصهيوني مشروعًا متعثرًا. واعتبر أن الكيان الإسرائيلي فقد
القدرة على الردع، خاصة بعد عودة مئات الآلاف من سكان غزة إلى مناطقهم المدمرة رغم
الدمار والقصف.
وأشار إلى أن الرهان الأمريكي على استمرار إسرائيل
كقاعدة استعمارية في المنطقة أصبح مكلفًا، وأن المشروع الصهيوني بلغ ذروته وبدأ في
الانحدار. وأكد أن الأمة باتت أكثر اندفاعًا نحو المواجهة، وأن المعركة القادمة لن
تكون فلسطينية فقط، بل ستكون معركة الأمة بأكملها.
كما رأى أن حماس والمقاومة الفلسطينية خرجت قوية من هذه
المعركة، رغم محاولات الاحتلال القضاء عليها، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطيني ما
زال ملتفًا حولها، مما يعني فشل كل رهانات الاحتلال.
المشهد السوري وتأثيره على الأردن والمنطقة
تناول العضايلة أيضًا التطورات المفاجئة في سوريا، حيث
شهدت البلاد انهيارًا سريعًا لنظام بشار الأسد بعد فراره إلى موسكو. واعتبر أن هذا
السقوط كان متوقعًا بسبب هشاشة النظام، واستنزافه طوال السنوات الماضية، إضافة إلى
أن حلفاءه لم يتمكنوا من إنقاذه في الوقت المناسب.
وأشار إلى أن هذه التطورات تشكل فرصة للأردن لإعادة بناء
علاقاته مع سوريا بطريقة جديدة تقوم على التعاون والاستفادة المتبادلة. ولفت إلى
أن استقرار سوريا مهم للأردن من حيث وقف تهريب المخدرات والسلاح، وإعادة تفعيل
التبادل التجاري، إضافة إلى استغلال الفرص الاقتصادية المتاحة في إعادة إعمار
سوريا.
كما أكد أن الأردن يمكنه لعب دور رئيسي في إعادة ترتيب
المشهد الإقليمي، من خلال بناء تحالفات جديدة مع دول مثل السعودية وتركيا، بما
يسهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة.
الحركات الإسلامية ومستقبلها في المنطقة
تطرق العضايلة إلى وضع الحركات الإسلامية في المنطقة،
مشيرًا إلى أن الجماعات الإسلامية تعرضت لضغوط كبيرة خلال السنوات الماضية، خاصة
بعد إفشال ثورات الربيع العربي. لكنه أكد أن المستقبل للإسلام في هذه المنطقة، وأن
أي مشروع نهضة لا يتكئ على الإسلام لن ينجح.
ورأى أن بعض الحركات الإسلامية بحاجة إلى إعادة ترتيب
أولوياتها، بحيث تعود إلى جذورها الدعوية والتربوية، مع الاستمرار في العمل
السياسي بشكل متوازن. وأكد أن الإسلاميين لا يمثلون خطرًا على استقرار الدول، بل
هم جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي، ويمكن أن يكون لهم دور إيجابي في تحقيق
الاستقرار والتنمية.
الأردن أمام تحديات كبرى وفرص جديدة
ختامًا، رأى العضايلة أن الأردن يمر بمرحلة حساسة تتطلب
رؤية استراتيجية واضحة لمواجهة التحديات القادمة. فبين تهديدات التهجير، وضغوط
الولايات المتحدة، والتطورات في فلسطين وسوريا، يجد الأردن نفسه في موقف يحتاج إلى
قرارات جريئة تحافظ على سيادته واستقراره.
كما أن الأردن أمام فرصة لتعزيز دوره الإقليمي من خلال
بناء تحالفات جديدة، وتحقيق استقلال اقتصادي، وتعزيز الجبهة الداخلية، وهو ما
يتطلب تعاونًا بين الدولة والشعب لمواجهة المرحلة المقبلة بثبات وقوة.
الأردن ليس سلعة، بل دولة ذات سيادة يجب أن تحافظ على
مصالحها بكل الوسائل المتاحة، وهذا يتطلب وحدة داخلية، وحكمة سياسية، وجرأة في
اتخاذ القرارات المصيرية.