أقساط المدارس الخاصة جحيم الأهل الذي ينذر بالطوفان
أيلول 16, 2024

تقرير خاص

أيام قليلة ويبدأ العام الدراسي، بل ربما العديد من المدارس في لبنان بدأت هذا العام قبل أيام، ومع بداية كل عام دراسي تتجّدد المأساة والمشكلة لدى الأهل خاصة في ظل وضع اقتصادي ضاغط وأزمة حادّة ورواتب ومتدنّية وشح في السيولة وغلاء في الأقساط والأسعار قارب حدّ الجنون.

فقد بدأت صرخة الأهل تطفو على السطح مع بداية العام الدراسي وارتفاع أقساط المدارس بشكل جنوني حيث عمدت أغلب المدارس الخاصة في لبنان إلى رفع أقساطها بنسبة مئة بالمئة عن العام الماضي، ورفض أغلبها تقاضي هذه الأقساط بالليرة اللبنانية أو حتى تحديد الأقساط بالليرة، بل حدّدت معظم هذه المدارس أقساطها بالدولار الأمريكي مع أنّ في ذلك مخالفة قانونية صريحة، كما طالبت الأهل بتسديد أقساط أبنائهم بالدولار الأمريكي أيضاً.

وتشير إحصائية سريعة إلى أنّ المدارس الخاصة التي كانت قد حدّدت العام الدراسي الماضي 2023 -2024 قسط الطالب في المرحلة الأساسية بمبلغ 1000$ رفعت هذا القسط هذا العام إلى مبلغ 2000$ بل بعضها رفع القسط إلى 2300$، كما فرض على الأهل بدل تسجيل عن كل طالب ملبغ 10 إلى 15 مليون ليرة لبنانية، ناهيك عن تغيير الكتب لكل الفصول الدراسية وهي تجارة كانت رائحة ورابحة قبل انهيار الليرة في العام 2019.

الزيارة على الأقساط بهذا الشكل الجنوني أعاده بعض أصحاب المدارس إلى اضطرارهم إلى رفع أجور المعلمين والمعلمات وزيادة المصاريف المدرسية كالتدفئة في فصل الشتاء للمدارس في الجبال، والتكييف في بداية الخريف والربيع في المدارس على الساحل.

غير أنّ البحث عن حقيقة هذا السبب يكشف أنّ المعلمين والمعلمات يتقاضون رواتب أقل من عادية لا تتجاوز رواتب أغلبهم عتبة 500$ إلى 600$ في أحسن الأحوال، وبعضها في بعض المناطق والمدارس لا يصل حتى إلى 400$. بينما تكاد نسبة المصروفات على التدفئة والتبريد قليلة نسبياً.

وأمّا عن أرباح المدارس من الأقساط الجديدة فحدّث ولا حرج إذا تصل هذه الأرباح إلى مستويات خيالية أفضل مما كانت عليه الأمور قبل الانهيار المالي.

وعن الأهل يقول حسّان وهو ربّ لأسرة مكوّنة من ولدين في المدرسة ويعمل في إحدى الشركات سائق سيارة إنّ الراتب الذي يتقاضاه بالكاد يكفيه مؤنة الأكل والشرب وسداد فاتورة الكهرباء والمياه، فمن أين يمكن أن يدفع القسط عن ولدين بمعدل أربعة ألاف دولار أمريكي في العام الواحد ما عدا النقل والكتب؟! ويقول حسّان حاول أن يلجأ إلى المدرسة الرسمية ولكّن المعاناة واحدة، لا مكان للطلاب في المدرسة الرسمية، ولا تعليم منتظم، فضلاً عن المسافة البعيدة التي يضطر الطالب لقطعها من أجل الوصول إلى المدرسة وكلفة النقل عالية ومرتفعة. ويسأل : "لا أعرف ماذا سأفعل"؟!

وكثر هم من يواجهون هذه المشكلة ويعيشون حالة ضياع أمام هذا التحدّي، ووسط هذه الأزمة برزت مبادرة طيّبة وجيّدة قامت بها بطريركية السريان الكاثوليك، لناحية إعفاء جميع الطلاب السريان من الأقساط في مدرستَي ليسيه المتحف في بيروت ودير الشرفة في حريصا، وهي مبادرة لاقت شكر وعرفان أبناء البطريركية.

وهنا تبرز أسئلة كثيرة وعديدة، هل مسؤولية المرجعيات الدينية العمل لتوفير الدعم المالي للمؤسسات التربوية التابعة لهم؟ أو دفع الأقساط عن الطلاب الذين يتبعونهم؟ وأين مسؤولية الدولة والحكومة في تأمين التعليم الإلزامي للطلاب في المرحلة الأساسية بأقلّ التكاليف، بل حتى بشكل مجاني؟ أو أين هي الدولة والجهات المعنية فيها من أجل ملاحقة تجّار المدارس الذين رفعوا الأقساط بشكل جنوني من دون أدنى اعتبار لسلم التوازن بين دخل المواطنين وواجباتهم المالية؟ وأين المجلس النيابي والنوّاب لا يسنّون قوانين تمنع هذا الجشع لدى فئة من الناس تريد أن تلتهم كل ما يأتي أمامها من أدنى اعتبار لمستقبل الطلاب ومستقبل الوطن أيضاً؟ وهل المطلوب أن تقوم المرجعيات الدينية الأخرى بكفالة طلاب رعيتها فلا يبقى معنى للانصهار والوحدة الوطنية؟!

كلّها أسئلة برسم المعنيين ولكن كما قالت فيروز ذات يوم : "لا تندهي ما في حدا"، وهو الخطر الحقيقي الذي ينذر بطوفان قادم لن يوقفه أحدّ على الإطلاق.