د. وائل
نجم
منذ
أيّام نتابع الحديث عن قرب الوصول إلى وقف إطلاق النار على جبهة جنوب لبنان مع
الاحتلال الإسرائيلي، غير أنّنا نسمع "جعجعة ولا نرى طحيناً"، فالغارات
من طرف طائرات الاحتلال الإسرائيلي متواصلة وتستهدف كلّ يوم بلدات جديدة في مناطق
ومحافظات جديدة كان آخرها في محافظة "عكار" أقصى شمال لبنان، وفي قضاء
"عاليه" في جبل لبنان حيث حصدت الغارتان عشرات الشهداء، هذا فضلاً عن
سياسة تدمير القرى الحدودية المحاذية للشريط الحدودي بشكل كامل وممنهج. وفي مقابل
ذلك يواصل حزب الله إطلاق الرشقات الصاروخية نحو القواعد العسكرية في المدن
والمستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين وفي عمقها.
إرتفع
منسوب الحديث عن صفقة لوقف إطلاق النار مع لبنان خلال الأيام الأخيرة، والملفت في
الأمر أنّ هذا الحديث يجري في الطرف الآخر من الحدود، في "إسرائيل" وعلى
لسان الوسيط الأمريكي، آموس هوكشتاين. غير أنّ أيّ تفصيل عن هذا الحديث لا يعرف
عنه أحدٌّ في لبنان أيّ شيء (مؤخراً جرى تسليم لبنان مسودة ورقة مقترحات لوقف
إطلاق النار)؛ فلا رئيس حكومة تصريف الأعمال يعرف شيئاً كما أشار في أكثر من حديث
له، ولا رئيس المجلس النيابي المفوّض من حزب الله بالتفاوض أشار إلى أنّه يعرف
شيئاً عن صفقة وقف النار والصيغة التي رست عليها، ولا حتى حزب الله يعرف شيئاً عن
ذلك وهو ما أشار إليه مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب في مؤتمر صحفي عقده يوم
الاثنين. وهنا الأحجية، إذا كانت هذه الجهات الثلاثة المعنيّة لا تعرف شيئاً عن
صفقة وتسوية وقف إطلاق النار، فمن يعرف عن ذلك؟ أمّ أنّ المسألة ليست أكثر من كلام
إسرائيلي موجّه إلى الداخل الإسرائيلي في ضوء الفشل في تحقيق أهداف الحرب على
لبنان وفي مقدّمها إعادة المستوطنين إلى الشمال؟!
قد يكون
الحديث الإسرائيلي عن قرب التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار مع لبنان من قبيل
الخطاب الموجّه فعلاً إلى الداخل الإسرائيلي لتهدئة رؤساء المستوطنات الذين باتوا
يظهرون غضبهم من استمرار الحرب بهذه الطريقة، وبالتالي كسب المزيد من الوقت،
وإلقاء مسؤولية أيّ فشل لإتمام "الصفقة المتوّهمة" على عاتق لبنان،
وبالتالي تهرب حكومة نتنياهو من مسؤوليتها تجاه مستوطني شمال فلسطين. كما يمكن أن
يكون ذلك جزءاً من إيهام الرأي العام العالمي بإنّ إسرائيل كانت مستعدة لإبرام
صفقة مع لبنان، ولكن لبنان هو من أفشل الصفقة وأصرّ على استمرار الحرب، خاصة وأنّ
حكومة الاحتلال بدأت تلحظ توجّهاً دولياً متنامياً يشدّد على وقف الحرب مع لبنان.
وعليه تكون حكومة نتنياهو، بإشاعة مسألة قرب التوصل إلى صفقة مع لبنان، ضربت
عصفورين أو ربما أكثر بحجر واحد، ومن بعد ذلك واصلت حربها وعدوانها على لبنان
وربما المنطقة لتحقيق أهدافها المخفيّة.
وقد يكون
أيضاً الحديث عن قرب الوصول إلى صفقة لوقف النار مع لبنان فيه ما فيه من الجدّية
والحقيقة، وأنّ التفاوض غير المباشر وربّما السرّي عبر الوسيط الأمريكي قد أفضى
إلى قرب التوصل إلى صفقة قد يكون من بين بنودها الإلتزام بأغلبية بنود الورقة التي
سُرّبت إلى الصحافة وقيل إنّ أوكشتاين عرضها على لبنان، وتضمّنت فيما تتضمّنه في
حينه قراءة تنفيذية مختلفة للقرار 1701 بما في ذلك انسحاب مقاتلي حزب الله إلى
شمال الليطاني، والأخطر من ذلك منح الإسرائيلي حق التدخّل لمنع إعادة تسليح الحزب
إذا عجزت الدولة اللبنانية عن ذلك، ومراقبة لبنان من الجو. غير أنّ من فاوض على
إبرام هذه الصفقة (فرداً كان أم أفراداً)، أراد أن يحيطها بستار من السريّة لما
تتضمّنه من ضرب لسيادة الدولة، وإظهار لهزيمة، هي في الحقيقة، لم تلحق بعد بلبنان،
ولكن على قاعدة التخفيف من وطأة العدوان الذي بات يستهدف النازحين بشكل أساسي
ويلاحقهم في مناطق نزوحهم.
على كلّ
حال الأيّام المقبلة ستكون كفيلة بإزالة الستارة عن الأسرار إذا كان ثمّة أسرار في
الموضوع، وإظهار الحقيقة جليّة حتى يُبنى على الشيء مقتضاه، ويبقى المهمّ أن لا
يكون الحديث عن صفقة لوقف النار عبارة عن صفقة للتسليم بالهزيمة.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".