منير الربيع
يجب ألا تكتفي أنظار اللبنانيين برصد التطورات الهامة التي
تعصف بهم وفي بلادهم. فعلى أنظارهم أن تتجه نحو الجنوب قلقة من تطورات الوضع الحدودي.
فإلى جانب استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية، مقلقة هي تطورات الوضع
الإقليمي والدولي الذي ينعكس على الداخل اللبناني بالتأكيد. وهذا كله لا ينفصل عن تركيز
النظر على العبثية السياسية الداخلية القائمة، المستمرة والمفتوحة على احتمالات كثيرة.
وهي تبدأ بجلسة انتخاب رئيس مجلس النواب وهيئة مكتب المجلس، ولن تتوقف عند حدود البحث
عن تشكيل حكومة وكيفية إرساء توازناتها، وسط توقعات متفائلة وأخرى في غاية التشاؤم
تشير إلى أن البلد ذاهب إلى انسدادات شرايينه كلها.
متاهة استنفارات وأزمات
الوضع في الجنوب في حال استنفار قصوى على الجهة اللبنانية
ومن جانب إسرائيل. والحرب الاستخبارية قائمة ومستمرة. حزب الله يعلن جهوزيته الكاملة
لأي تداعيات. إقليميًا يتأرجح الوضع بين المساعي الأميركية لترتيب العلاقة مع السعودية
وعدم خسارة التهدئة مع إيران، وتجنب ما يريد الإسرائيليون فرضه من وقائع جديدة من شأنها
أن تؤدي إلى صدام.
أما الأزمة المالية والاقتصادية فتتوسع وتتعمق، في غياب أي
معطى جدّي للمعالجة، ربما إلى ما بعد انتخاب هيئة مكتب المجلس، لتهدئة سعر الصرف نسبيًا،
وفي انتظار تبلور اتفاق مالي آخر يحاكي الاتفاق الذي أبرمته حكومة نجيب ميقاتي مع المصرف
المركزي لتهدئة سعر الصرف ومنع انفجاره. لكن شروط الاتفاقات مرتبطة دائمًا بالاستحقاقات
السياسية، وأهمها تشكيل الحكومة.
مطالب عون وباسيل
يبدو أن ميقاتي لا يزال مطلبًا للأميركيين والفرنسيين. لكن
قواعد تشكيل الحكومة هذه المرّة ستكون مختلفة عن سابقها. صحيح أن ميقاتي يسعى إلى إعادة
إنتاج حكومة مشابهة للحكومة الحالية. لكن المعايير التي يضعها جبران باسيل ستكون مختلفة.
فهو شدد بوضوح على رفض حكومة التكنوقراط، داعيًا إلى تشكيل حكومة سياسية. أمام هذا
المعطى لن يكفي الدعم الفرنسي والأميركي لحكومة ميقاتي، بل لا بد من الوقوف عند شروط
عون وباسيل، لا سيما أن رئيس الجمهورية يخوض آخر معاركه الجدية.
في معركته هذه ثمة شروط لن يتنازل عنها عون بسهولة، بل هو
يتمسك بها، وأبرزها شكل الحكومة. وهناك معلومات تفيد أن باسيل يتمسك بالعودة وزيرًا
فيها، إلى جانب تمسكه بعدد من الحقائب الأساسية. ولا يمكن إغفال المطلب العوني الأساسي:
إقالة حاكم مصرف لبنان، وإجراء تعيينات أساسية وتشكيلات قضائية، وربما أمنية وعسكرية.
وتسربت معلومات عن طرح إقالة حاكم المصرف المركزي وقائد الجيش ورئيس مجلس القضاء الأعلى،
قبل آخر جلسة للحكومة. وهذا لم يمرّ، وبقي مطلبًا أساسيًا لدى رئيس الجمهورية وباسيل.
مؤتمر تأسيسي وانتخابات؟
الأرجح أن أمل اللبنانيين وتفاؤلهم حيال ما هم فيه ضعيفان،
قياسًا للنظرة الواقعية التي تشير إلى انسداد أفقهم. فالمتفائلون يعتبرون أنه ثمة تسويات
تعقد بتدخل دولي تؤدي إلى إعادة تكوين السلطة وتمرير الاستحقاقات بسلاسة.
أما المتشائمون فيعتبرون أن الأفق مسدود، وليس هناك من مؤشرات
إيجابية. فالتعطيل والتعقيد مستمران، مع ما ينجم عنهما من تداعيات سلبية، تدفع المتشائمين
إلى التفكير في احتمال الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة.
وهذا يعني في معايير الواقعية السياسية الذهاب إلى مؤتمر
تأسيسي برعاية دولية، تفرض متغيرات على التوازنات السياسية والدستورية، ليتحدد على
أساسها مسار الانتخابات النيابية المبكرة. إذ لا يمكن الذهاب في هذا الاتجاه على نحو
بارد أو سلس.
المصدر: المدن.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر
عن "آفاق نيوز".