أمّا وقد أُقْفِل باب الترشّح فماذا عن التحالفات؟
آذار 17, 2022

وائل نجم

ليلة الثلاثاء الأربعاء رست بورصة الترشيحات في وزارة الداخلية على 1043 مرشحاً ومرشحة تقدّموا بأوراقهم لخوض الاستحقاق الانتخابي المقرر في الخامس عشر من شهر أيّار المقبل، وما زال أمام المرشحين فرصة للانسحاب من السباق الانتخابي أيام قليلة تنتهي ليل الواحد والعشرين من الشهر الجاري، وبالتالي فإنّ جميع المرشحين والقوى السياسية سنصرفون الآن من أجل تفعيل حملاتهم الانتخابية من ناحية والتحالفات من ناحية ثانية لأنّ الجميع بحاجة إلى دخول قوائم انتخابية من أجل التمكّن من المشاركة بالانتخابات.

وفي معرض الحديث عن التحالفات إنْ لناحية الحاجة إلى الانضمام إلى قوائم انتخابية أم لناحية الفوز بمقاعد نيابية فإنّ مختلف القوى السياسية شرعت منذ ما قبل إقفال باب الترشّح في البحث في شكل وكيفية هذه التحالفات، ولعلّ بعضهم قد قطع شوطاً كبيراً فيها، غير أنّ الكثير من المرشحين أو القوى السياسية لم تنسج بعد تحالفاتها بشكل نهائي، وهي ستشرع اعتباراً من ساعة إقفال باب الترشّح إلى مقاربة أكثر جدّية لهذا الملف.

وبالمناسبة فإنّ قانون الانتخاب الذي اعتمد النسبية والصوت التفضيلي ودمج بعض الأقضية ببعضها بعد أن قسم لبنان إلى خمس عشرة دائرة انتخابية فرض على القوى السياسية تحديداً التحدّث مع بعضها من أجل نسج تحالفات مصلحية أو ظرفية أو ما يُسمّونها تحالفات انتخابية، حتى لو كانت في بعض الأحيان تتعارض مع بعض المواقف السياسية لهذه القوى.

 

غير أنّه بالنسبة للقوى الإسلامية التي تخوض الانتخابات تحديداً فإنّ مسألة التحالفات يجب أن تكون محكومة بضوابط ومحدّدات قيمية لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها من أجل تحقيق مكسب آني أو مقعد نيابي ظرفي وخسارة قيمة تتمتّع بها هذه القوى الإسلامية وتجعل لها هذا الموقع والمكانة. وهنا يمكن التحدث عن مجموعة نقاط لا بدّ من مراعاتها عند البحث في التحالفات الممكنة أو التي يمكن أن يجري البحث فيها.

أول هذه الضوابط هي مسألة البحث في نسج أي تحالف من أي نوع مع رموز لها علاقة بالعدو الإسرائيلي، بمعنى آخر رموز من العملاء لهذا العدو. إنّ مثل هذا التحالف لا ينبغي أن يُقبل أو أن يتم التفكير به حتى لو كان الثمن مقاعد نيابية وليس مقعداً نيابياً واحداً.

ثم هناك رموز الفساد المعروفين والذين لا يحتاجون إلى أي دليل أو برهان. هؤلاء أيضاً هم المسؤولون عمّا آلت إليه الأوضاع في البلد من أزمات ومآسي، وهؤلاء لا ينبغي التفكير بالتحالف معهم مهما كانت الأسباب والمبررات. هؤلاء يلوّثون السمعة ويُفقدون القوى الإسلامية قيمتها، خاصة إذا كانت سبباً لعودتهم إلى المجلس النيابي.

ثم هناك الذين يدعون إلى نسف القيم الأخلاقية والدينية في مجتمعنا. هؤلاء الذين يريدون أن ينسفوا منظومة القيم التي يقوم عليها مجتمعنا بشكل عام لصالح تسويق الرذيلة أو الفوضى الأخلاقية أو هدم الأسرة أو غير ذلك. وهؤلاء يحظون بغطاء مالي لا يُستهان به، كما يحظون للأسف بغطاء من بعض المرجعيات السياسية.

ثم هناك الذين يهرولون للتطبيع مع العدو الإسرائيلي ولا يقيمون وزناً للقضية المركزية للعرب والمسلمين، قضية فلسطين. هؤلاء حتى يريدون أن يحرفوا بوصلة العرب والمسلمين باتجاه آخر حتى تجري عملية التطبيع وحتى يسود كيان الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة. هؤلاء ليسوا أقلّ خطراً على لبنان وعلى اللبنانيين وعلى الإسلاميين من أولئك الذين يعملون على ضرب القيم، بل ربما يكمّل كلاهما الآخر، فلا للتحالف مع الداعين إلى التطبيع.

ثم هناك الذين يكيدون للحركات الإسلامية وللقوى الإسلامية ويضمرون لها العداء. هؤلاء يعملون عند الذين يخططون للإجهاز على هذه الحركات فيصفونها تارة بالتطرّف وطوراً آخر بالإرهاب، ثم يبدون لها كل لين في أوقات الحاجة وبعد أن يتمكنوا يكون الإجهاز مصداقاٌ لقول الشاعر :

كالصلّ (السيف) يُظهر ليناً عند ملمسه حتى يصادف في الأعضاء تمكيناً

هؤلاء هم الأخطر. هؤلاء يأخذون أصوات القوى الإسلامية في الانتخابات ثمّ يجردون عليها سيوفهم بعد ذلك.

لكلّ ذلك، مسألة التحالفات ليست نزوة فردية أو مطمعاً بمقعد نيابي بقدر ما هي إحدى أدوات المعركة القيمية بحدّ ذاتها، ومن هنا تكمن المسؤولية في إدارة هذه التحالفات لكسب المعركة القيمية قبل المقعد النيابي أو حتى على حسابه.