د. وائل نجم
تصاعدت في الفترة الأخيرة هجمة بعض القوى والمؤسسات الإعلامية
المرتبطة بها وراحت تعمل على التخويف من تحوّل المسلمين السنّة في لبنان نحو التطرّف
والعنف، أو نحو استغلال بعض القوى الإقليمية لهم تحت عناوين شتى كما لو أنّهم سذّج
أو لا خبرة ولا سابقة تجربة لهم لا في ميادين العمل السياسي ولا في ميادين الحقل العام،
ولا في معرفة المشاريع التي تتصارع في المنطقة ولا في مصلحة بلدهم وهم الذين قدّموا
أثمن ما لديهم وعندهم في سبيل الصالح العام.
لقد جرى تصوير كما لو أنّ "إسلاميي" لبنان آتون
من كوكب آخر ويريدون أن يختطفوا هذه البيئة الحاضنة ويذهبوا بها إلى كوكبهم الخاص،
بينما غيرهم ممّن فرّط عن قصد أو عن غير قصد أكثر حرصاً منهم على الوطن والبيئة والشركاء.
وهذا التصوير فيه الكثير من التجنّي، بل كلّه تجنّ وافتئات على "الإسلاميين"
وعلى مشروعهم الهادف إلى الشراكة الحقيقية وإنقاذ الوطن.
إنّ "إسلاميي" لبنان وكما بات معروفاً محكومون
وعن قناعة ورضا كامل منهم بعناوين طالما أكّدوا عليها وعملوا على تثبيتها في عقول الأتباع
الأصدقاء والشركاء في الوطن.
العنوان الأول وهو الاعتدال والوسطية. فهم يؤمنون بالفهم
الإسلامي القائم على اليسر لا العسر، وعلى العدل لا الظلم، وعلى الاعتدال لا التفريط
ولا الإفراط وبالتالي التعنّت والتطرّف والتشدّد، وقد أصدروا وثيقة في العام 2007 شجبوا
فيها العنف والتطرّف وأكدّوا على ضرورة قيام الدولة ومؤسساتها العادلة والشفافة، وثبّتوا
ذلك في وثائقهم السياسية الأخرى التي صدرت في العام 2010 وفي العام 2017 تحت عنوان
"رؤية وطن".
العنوان الثاني وهو الانفتاح على الشركاء في الوطن دونما
استثناء والتعاون مع أيّ منهم على القاعدة التي يرفعونها :" نتعاون فيما اتفقنا
عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه". بمعنى آخر هم يؤكّدون على أنّه ليس
لهم عداوات في الداخل اللبناني لا على المستوى السياسي ولا على المستوى العقدي، إنّما
اختلاف وجهات نظر وحوار بين الجميع من أجل الوصول إلى ما فيه مصلحة الوطن والمجتمع. وفي
هذا السياق فإنّ الواقع يثبت أنّهم لم ينضووا طيلة فترة الانقسام اللبناني العامودي
إلى أيّ من طرفي الانقسام إنّما شكّلوا على الدوام نقطة وصل وتقاطع بينهما لأنّهم حافظوا
على علاقة طيّبة ومتوازنة مع الجميع. كما أنّهم حرصوا على الحوار مع مختلف البيئات
اللبنانية ومع أغلب القوى السياسية واستضافوا في مراكزهم وفي لقاءات مع كوادرهم وقياداتهم
نخبة من القيادات السياسية والفكرية التي تختلف معهم وشهدت تلك الاستضافات نقاشات وحوارات
حرّة وشفّافة وصريحة، وشهد بذلك بعض تلك القيادات من خلال مقالات وكتابات نُشرت في
أعرق الصحف اللبنانية في حينه.
واليوم يدير "الإسلاميون" حواراً صريحاً وواضحاً
مع كثير من الشركاء في البيئات الأخرى على قاعدة البحث عن كلّ ما من شأنه أن يصبّ في
مصلحة الوطن والمجتمع، ومن دون قيود وتعقيدات أو أوهام وتصوّرات مسبقة، وبعض هذه الحوارات
واللقاءات بلغت مستويات مهمّة، وبضعها الآخر متواصل وعزّز القناعة لدى الشركاء أنّ
"الإسلاميين" ليسوا كما جرى ويجري تصوريهم.
وأمّا العنوان الثالث فهو الإلتزام بالقضايا الوطنية والقومية
(العربية) وبقضايا الإنسان بشكل عام انطلاقاً من فهم خاص لديهم يعبّرون عنه بكل صراحة
ووضوح. وفي هذا السياق لم يخفِ "الإسلاميون" مشاركتهم في الدفاع عن قرى وبلدات
الجنوب وأهله خلال العدوان الأخير على لبنان وعلى غزّة، وأعلنوا أنّهم انخرطوا في مواجهة،
ولو محدودة بحجم إمكاناتهم وقدرتهم، مع قوات الاحتلال انطلاقاً من واجب الدفاع عن الأرض
والأهل في ظل غياب استراتيجية دفاعية واضحة ومكتملة، بمقدار إعلانهم تمسّكهم بالدولة
وقواتها العسكرية والأمنية كحامي أساسي للبلد. كما أكّدوا مراراً على أنّهم يعون مخاطر
الصراع ولا يعملون لجرّ لبنان إلى صراع غير متكافىء أو في سبيل خدمة أجندات أخرى.
وأمّا عن التزامهم بالقضايا القومية والانسانية بشكل عام
فهم لا يخفون ذلك لا على المستوى الإعلامي ولا على مستوى علاقاتهم وحواراتهم مع غيرهم،
مؤكّدين على أنّ ذلك من قناعاتهم الراسخة من دون أن يجري ذلك على حساب الوطن.
بهذه العناوين والمعاني فإنّ "إسلاميي" لبنان عنوان
للاعتدال والانفتاح والالتزام بالقضايا الوطنية والعربية والإنسانية، وإنّ أيّ اتهام
لهم بغير ذلك هو تجنّ صريح عليهم وعلى مكوّن أساسي هو البيئة المسلمة في لبنان، لأهداف
وغايات لم تعد تخفى على أحد، ومطلقوها هم المتطرّفون الحقيقيون، وهم الخطر الحقيفي
على لبنان وأهله.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن
"آفاق نيوز".