صلاح سلام
بسام الشيخ حسين لم يكن وحده في إقتحام البنك، بل
كان معه مئات الألوف من المودعين الذين إحتجزت المصارف أموالهم عنوة، وضربت بعرض كل
الحائط كل الحالات الإنسانية التي يُعاني منها أصحاب الودائع، الذين تحوّلوا بين ليلة
وضحاها إلى ما يشبه المتسولين على أبواب المصارف.
الحادثة التي شغلت البلد طوال نهار أمس، وتناقلتها
التلفزيونات ووكالات الأنباء العالمية، ليست الأولى من نوعها، وقطعاً لن تكون الأخيرة،
بل لعلها ستصبح المثل والمثال لكثير من المواطنين الذين حُرموا من جنى أعمارهم، بعد
تسلط البنوك على ودائعهم دون مسوغ قانوني، ولم يراعوا أبسط الحاجات المعيشية الضرورية
لآلاف العائلات التي سقطت تحت خط الفقر، رغم ما تملكه من مال أودعته المصارف، على قاعدة
حفظ القرش الأبيض لليوم الأسود، فكان أن داهمتهم الأيام السوداء، ولم يسعفهم محتجزو
القرش الأبيض.
لقد أمعنت المصارف في إذلال الناس، وفي التعدي على
كراماتهم، وتمرد أصحاب البنوك على تعاميم المركزي، وتساهل القضاء في حفظ حقوق الناس،
وتخلّت الدولة عن مسؤولياتها، وأصبح أصحاب الودائع أشبه بسكان الشوارع في إعتصاماتهم
المتنقلة بين المصارف، دون أن يستطيعوا الحصول على جزء من أموالهم لشراء حليب لأطفالهم،
أو معالجة مرضاهم، أو تأمين أقساط أولادهم، أو حتى الحصول على ما يسد رمق عيالهم في
مهب فوضى الأسعار الجنونية.
ثلاث سنوات مضت وأهل الحكم مازالوا منغمسين في صراعاتهم
الأنانية، والتسابق على نهش ما تبقى من خزينة الدولة وأموال الناس، دون أن ينصرفوا
إلى إتخاذ التدابير اللازمة للحد من الإنهيارات، وحفظ حقوق المودعين في أموالهم، وإصدار
قانون الكابيتال كونترول لتنظيم العلاقة بين المصارف وأصحاب الودائع، وإستعادة أموال
أصحاب البنوك المهرّبة إلى الخارج، فضلاً عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي برمته.
هل يُلام بسام الشيخ حسين لأنه اقتحم المصرف لإنقاذ
والده المريض من الموت؟ ومن يتحمل مسؤولية تكرار مثل هذه الواقعة في مصارف أخرى، بعدما
دب اليأس في نفوس المودعين من الحصول على الحد الأدنى من أموالهم لتأمين إحتياجاتهم
المعيشية الضرورية؟
لقد تصرفت القوى الأمنية بكثير من الحكمة تنفيذًا
لتعليمات وزير الداخلية بسام المولوي الذي واجه الموقف الحرج بقدر كبير من المسؤولية،
ساهمت في التوصل إلى الخاتمة السليمة، دون إستعمال العنف وإستسهال إراقة الدماء البريئة،
سواء بالنسبة لموظفي المصرف المحتجزين، أو في التعامل مع جمهور المودعين الذين إحتشدوا
في الخارج لمناصرة «بطلهم» في الداخل، والمطالبة بحقوقهم في أموالهم.
ولكن هل تسلم الجرّة كل مرّة!
المصدر: اللواء.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها
ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".