إيران ـ باكستان: أزمة نقطة الضعف
كانون الثاني 20, 2024

بيار عقيقي

يحصل أحياناً أن يكون لكل دولة نقطة ضعف جغرافية، منبثقة من بُعدها عن المدينة المركزية، أي العاصمة. وفي حالة باكستان وإيران، فإن عاصمتي البلدين تتمركزان على تخوم ساحة مضطربة. إسلام أباد الباكستانية أقرب إلى الهند، وطهران الإيرانية تجاور المشرق العربي. ودائماً ما يتم تحصين مواقع الدولة المركزية في حالات السلم، كي تصمُد في أي حالة نزاع عسكري. ملفّات باكستان المتشعّبة مع الهند جعلت من حدود البلاد الغربية في بلوشستان ساحة توتّر بفعل موروثات تاريخية، وكذلك بالنسبة إلى إيران المنغمسة في المشرق العربي، ما جعل حدودها الجنوبية موئل مواجهاتٍ لا تنتهي، وإن خفت ضجيجها حيناً وارتفع حيناً آخر. وصودف أن نقطتي الضعف الجغرافيتين لإيران وباكستان متجاورتان، ما جعلهما شبه ساحة موحّدة مليئة بالتحدّيات الأمنية.

ودائماً، في مثل هذه الظروف، يبقى أي موقع متوتّر قابلاً للاشتعال في أي لحظة، خصوصاً أن الإرهاصات الخفيفة، في حالة عجز مركزية الدولة عن طرح الحلول، تتحوّل في لحطة ما إلى أصوات مدويّة تزعزع استقرار مركزية الدولة. في حالة باكستان وإيران، ما بدأته طهران وردّت عليه إسلام أباد، لا يُمكن وضعه في سياق "الاتفاق المسبق" بين الطرفين، على قاعدة أن "الخصم مشترك"، بل في سياق إظهار قدرتهما على ضبط نقطة الضعف هذه. غير أن الشعرة الرفيعة التي ظهرت في القصف المتبادل في الأيام الماضية كرّست واقعاً سعت الدولتان مراراً إلى طمسه أو تجاهله، وهو مدى استطاعتهما فرض القوة المركزية على تلك المناطق، من دون الاصطدام بالجوار.

لم تفلح كل معادلةٍ رسمها جيشا البلدين، في ظلّ انعدام الحلول السياسية لمعالجة نقطة الضعف هذه، في إبعاد كأس الاشتباكات المرّ. وفي ظلّ عدم تعاونهما على "إنهاء" حالات التمرّد الحدودية، فإن تكرار لازمة "الاتفاق المسبق" يدحض نظريات المؤامرة. كان الفعل الإيراني، المبني على الردّ على جماعاتٍ استهدفت ضريح قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وفقاً لطهران، خطوة في المجهول. وفي المقابل، كان الردّ الباكستاني ضرورةً، وفقاً لإسلام أباد، ليس فقط لتأكيد متانتها في مواجهة الهند، بل أيضاً في تكريس دورها فاعلاً رئيسياً في الوسط الآسيوي، ورفض أي مشاركة في هذا الملفّ.

الجديد أن العلاقات بين البلدين التي كانت مثالية منذ استقلال باكستان في عام 1947، رغم تغير الأنظمة في الدولتين، أُصيبت بعطبٍ، سيستلزم إصلاحه وقتاً وجهداً، على قاعدة أن التصريحات المتبادلة توحي بأن هناك غضباً كامناً لدى القيادتين، انفجر في الأيام الأخيرة.

الفارق بين الدولتين حالياً أن في وسع باكستان استغلال هذا الصدام لتوحيد الساحة الداخلية، المشرفة على انتخابات برلمانية في 8 الشهر المقبل (فبراير/ شباط)، ما يسمح للجيش في البقاء حامياً للدولة والدستور والعملية الديمقراطية. أما في طهران، ليست الدولة في حاجة لمبرّر مماثل لإسلام أباد، عشية انتخاباتها البرلمانية في 1 مارس/ آذار المقبل.

هل تتحوّل المنطقة بين الدولتين إلى بركانٍ يفرز حرباً بينهما؟ قبل الإجابة، هناك جملة عوامل توجب أخذها بالاعتبار: أهمية ميناءي غوادر الباكستاني وتشابهار الإيراني، والدور الصيني الاقتصادي في البلدين، وتأثير أي نزاع على مضيق هرمز وعلى كامل الخط التجاري البحري الممتدّ من الصين إلى أوروبا، ومدى قدرة كل دولة على الاستمرارية في أي حرب، وغيرها من أسئلة، يمكن طرحها انطلاقاً من نموذج الحرب الروسية على أوكرانيا.

الأكيد أن الصدام سيدفع إلى تبديل نمطية التفكير في دوائر صنع القرار لدى كل من طهران وإسلام أباد. سينتقل البلدان إلى مرحلة جديدة من التعامل وفقاً للحقائق الأخيرة، ما سيجعلهما أمام خيارات ضيّقة، خصوصاً أن الهند جاهزة لأي زلّة قدم باكستانية، فيما تدرك إيران أنه لم يعد في وسعها فتح جبهات جديدة. وصل البلدان إلى المأزق، يبقى عليهما فهم إدارته.

المصدر: العربي الجديد.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".