د. وائل نجم
نهاية الأسبوع الماضي ردّت
إيران على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قنصلية إيران في دمشق خلال شهر رمضان
المبارك، وقد وجّهت قوات الحرس الثوري الإيراني مئات المسيّرات والصواريخ
البالستية والمجنّحة من داخل الأراضي الإيرانية صوب أهداف إسرائيلية داخل الأراضي
الفلسطينية المحتلة، فتمّ إسقاط عدد من المسيّرات والصوايخ، وهذا كان معروفاً
وموضوعاً على خطة الحرس، فيما تمكّنت مسيّرات وصواريخ أخرى من بلوغ أهدافها داخل
الأراضي المحتلة مسجّلة تطوّراً بالغ الأهمية والدّقة حيث أصابت هذه الصواريخ
والمسيّرات تلك الأهداف وألحقت بها أضراراً بالغة بغض النظر عمّا إذا كانت الأضرار
مادية أو بشريّة، وهذا باعتراف كيان الاحتلال الإسرائيلي.
كثر رأوا في الردّ الإيراني
مسرحية مكشوفة هدفها خروج إيران ببياض الوجه بعد قصف القنصلية في دمشق، خاصة وأنّ
إيران أعلنت عن إطلاق المسيّرات والصواريخ، وأعلنت عن سرعتها وساعة وصولها إلى
أهدافها ما مكّن الكيان الإسرائيلي وحلفاءه من إسقاط معظمها وفقاً للرواية
الإسرائيلية. وكثر أيضاً رأوا أنّ الردّ الإيراني ألحق بكيان الاحتلال وقواعده
العسكرية التي استهدفت أضراراً كبيرة مادية وبشرية لم يفصح عنها الكيان بعد،
وتغنّى هؤلاء بمستوى وحجم هذا الردّ، وبلغوا مبلغاً وصفوه بالردّ الاستراتيجي.
والحقيقة تقع بين الموقفين.
لا يمكن الحديث عن ردّ مسرحي استخدمت فيه مئات المسيّرات والصواريخ، ونشر حالة
كبيرة من الهلع والخوف والقلق في صفوف المستوطنين الإسرائيليين، وأكّد بما لا يدع
مجالاً للشكّ أنّ هذه الصواريخ والمسيّرات قادرة على بلوغ أهدافها في داخل الأراضي
المحتلة، على الرغم من تولّي عملية إسقاطها من دول عديدة في المنطقة ومن خارجها.
كما لا يمكن الحديث عن أنّ هذا الردّ بلغ مبلغاً استرايجياً كبيراً وواسعاً بحيث
جعل كيان الاحتلال ينزل على شروط إيران ويخضع لها. الحقيقة أنّ الردّ أعاد
الاعتبار لإيران وللحرس الثوري في المنطقة، وأكّد أنّها دولة قادرة على الدفاع عن
حدودها ومصالحها، وتملك إمكانية الرد على المخاطر التي تتهدّدها وأن ما تقوله
وتهدّد به ليس وهماً إنّما واقع تملك كلّ معطياته.
والحقيقة الأخرى أنّ إيران
أعادت الاعتبار لقوّة الردع في المنطقة، والدليل على ذلك أنّ كيان الاحتلال الإسرائيلي
الذي توعّد بالردّ على الردّ الإيراني، غير أنّه يُخضِع هذا الرد المنتظر لمزيد من
النقاش والبحث والتنقيب على مستوى مجلس الحرب لأنّه يدرك أنّ أيّ ردّ أو خطوة لم
تعد دون حسابات وضوابط كما لو أنّ إيران لم تردّ. بهذا المعنى يتأكّد لنا أنّ
الردّ الإيراني أعاد الاعتبار لقوّة الردع التي كان وما زال يملكها، بل أكثر من
ذلك فقد فرض قواعد اشتباك جديدة في المنطقة قد يذهب الإيراني بها إلى حدود حماية
حلفائه من الغطرسة والجنون الإسرائيلي.
العالم ينتظر الآن الموقف
الإسرائيلي الجديد، والذي يتوعّد بردّ على الردّ الإيراني، وحجم ذلك ومكانه ووقته
وظروفه، وبناءّ عليه يمكن أن ترسو المنطقة على قواعد جديدة كما يمكن أن تنزلق إلى
حرب واسعة ومفتوحة يريدها البعض في كيان الاحتلال الإسرائيلي، وبانتظار ذلك ستظلّ
قوة الردع الإيرانية قائمة وحاضرة وبغض النظر عمّا ألحقته الهجمة الإيرانية
الأخيرة من أضرار بكيان الاحتلال، فنتائج الحروب لا تتوقف على حجم الخسائر بل على
كميّة ونوعيّة الأهداف المتحقّقة والواقع الذي ينشأ عن أيّ تحرك ميداني.
الآراء الواردة في المقال
تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".