اتفاق الضرورة... يوقف إطلاق النار ولا ينهي الحرب
تشرين الثاني 28, 2024

وائل نجم

دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيّز التنفيذ اعتباراً من الرابعة من فجر أمس الأربعاء (27/11/2024)، وذلك بعد جولات طويلة وعديدة من المفاوضات غير المباشرة عبر المبعوث الأميركي إلى بيروت هوكشتاين. والواضح أنّ الاتفاق شكّل اتفاق ضرورة بين الجانبين: حزب الله وإسرائيل. حزب الله، وعلى الرغم من قدرته على الصمود وتوجيه الضربات الصاروخية إلى القواعد العسكرية في عمق الأراضي المحتلة بعد تعافيه من الضربة التي وُجّهت إلى قياداته الميدانية، غير أنّ استهداف بيئته الحاضنة بشكل كثيف ومركّز، وبنيته التحتية المالية والاجتماعية بشكل متواصل، وحالة النزف على مستوى شلال الدماء من عناصره ومن مناصريه وبيئته، وعلى مستوى سلاحه أيضاً، رأى أنّ الضرورة باتت تفرض أن يقبل بوقف إطلاق النار من أجل إعادة ترميم نفسه والتقاط الأنفاس من أجل الاستمرار في هذه المعركة الاستراتيجية بانتظار أن تكون هناك ظروف أفضل. وإسرائيل أيضاً وعلى الرغم من قدرتها على التدمير وإلحاق الأذى الكبير بحزب الله لم تحقّق أهدافها من المعركة على الجبهة الشمالية لفلسطين، فلم تستطع القضاء على حزب الله على الرغم من اغتيال قيادة الصفّ الأول فيه، وهي لم تستطع أن تطرد الحزب من منطقة جنوب الليطاني المحاذية لحدود فلسطين من خلال الاجتياح البرّي، ولم تستطع وقف إطلاق الصواريخ نحو الشمال الفلسطيني ولا حتى نحو عمق الأراضي المحتلة. على العكس، باتت تواجه مأزقاً جرّاء ذلك ونزيفاً بشرياً ومادياً متواصلاً. ولذلك رأت أنّ الضرورة أيضاً تفرض عليها وقف إطلاق النار من أجل إنعاش الجيش، كما قال نتنياهو، ومن أجل تحيّن الفرصة لمعركة استراتيجية آتية بانتظار أن تكون ظروف إسرائيل أفضل. هي إذاً الضرورة حتّمت على الطرفين القبول بوقف النار وتصوير الأمر كما لو أنّه انتصار لكلّ طرف منهما بالنظر إلى عدم تمكّن الطرف الآخر من تحقيق أهدافه، فيما يتحيّن كل طرف الفرصة لحرب جديدة عندما تكتمل ظروفها ويصبح بإمكانه خوضها.

غير أنّ هذا المعنى من انتظار الحرب الجديدة والاستعداد لها لا يعني أبداً أنّ الحرب بأشكال أخرى ستتوقف وتخضع لوقف النار، أبداً. الاتفاق الذي يلفّه غموض كبير، وربما له ملحقات سريّة عديدة، سيشكّل شكلاً وأسلوباً جديداً من الحرب تتمثّل بمحاصرة حزب الله وقوى المقاومة في لبنان سياسياً واجتماعياً، بحيث لا تكون لهم القدرة على التأثير في صناعة الموقف والقرار اللبناني كما كان خلال المرحلة السابقة بحيث يتحوّل لبنان تدريجيّاً من نقطة ارتكاز لمشروع مقاومة الاحتلال إلى مجرّد منطقة هامشية في الصراع، وذلك بعد أن يكون قد وقع فعلياً تحت "الانتداب" الأميركي، وإلّا ما معنى أن تستحضر الولايات المتحدة، وبموجب الاتفاق، قوة عسكرية أميركية إلى السفارة الأميركية في بيروت، مهمتها المعلنة مراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وغير المعلنة ممارسة وصاية خفيّة على لبنان؟!

الحقيقة أنّ لبنان وقّع، بعد التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، على دخوله ضمن الوصاية الأميركية المباشرة، وهذا قد يجنّبه إلى حدّ بعيد وكبير الاعتداءات الإسرائيلية أو الحروب العدوانية، ولكنّه في الحقيقة يُخرجه من المكان الطبيعي الذي ظلّ فيه عقوداً حيث كان الرئة التي يتنفّس منها أحرار المنطقة ومقاوموها، وسيكون نقطة ارتكاز أساسية في المشروع الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى ترتيب وإعادة تنظيم وربما ترسيم الشرق الأوسط الجديد وفق مصالحها ورؤاها.

ماذا عن الطرف الآخر؟ هل كان يعي ذلك؟ أم لم يكن في اليد حيلة؟ وماذا عن تكيّفه مع الواقع الجديد؟ وماذا عن إمكانية إفشال هذه المشاريع الطامحة إلى إقرار صيغة جديدة للمنطقة العربية بمعزلٍ عن مصالح شعوبها واهتمام حكوماتها؟

الواضح أنّ الأمر لم ينته عند الاتفاق على وقف النار، فالحرب ستبقى مستعرة بأشكال جديدة، لأنّ الهوّة بين الأطراف باتت سحيقة جدّاً جدّاً.

المصدر: العربي الجديد

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها لا تعبّر عن "آفاق نيوز".