أرنست خوري
تصديق أن أسباباً تقنية وأمنية حصراً تقف خلف ترك السوريين
القاطنين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لقدرهم بعد الزلزال، يحتاج إلى حسن نية
استثنائية يلامس السذاجة، في حال لم يقمع طيب القلب مبالغاته. مع ذلك، أن يُقال إن
الأمم المتحدة، وهي أكبر جهة إغاثة، وغيرها من منظمات ودول لا تغامر عادة بإرسال فرق
عملها ومساعداتها إلى أماكن لا تحكمها سلطة مركزية، كحال الشمال السوري المتحرّر من
سلطة دمشق، فإن ذلك صحيح. وأن يتم التذكير بأن جبهة النصرة، أو هيئة تحرير الشام باسمها
الملطف، رفضت فتح المعابر بين مناطق نفوذها وتلك التي يديرها نظام بشار الأسد وداعموه،
لدخول المساعدات، فذلك واقعٌ يُضاف إلى السجلّ الأسود لهذا التنظيم الظلامي. والحقيقة
الثالثة أن ميل الجماعة، أي جماعة، إن طالت فترة تعرضها لمثل ما يعيشه السوريون منذ
انتفضوا على قوانين القبر الذي كانوا يعيشون فيه، إلى التفسيرات المبنية على الشعور
بالمظلومية المزمنة، فإنّ ذلك يحمل المخاطر نفسها التي تكتنفها الخرافات المؤامراتية،
وهذه المظلومية كتلك المؤامراتية تمنعان فهم أي حدث واستيعاب أي ظاهرة. في هذه الحالة،
يصبح الجواب عن كل سؤال جاهزاً: العالم يكرهنا، يريد لنا الموت، ألم نقل منذ البداية
"ما لنا غيرك يا الله"؟
لكن هذه الحقائق الثلاث لا تقدّم تفسيراً مقنعاً لترك السوريين
بهذا الشكل الفاضح، فتبقى المساحات شاسعة لسرد أسباب أخرى يتصدّرها الاتجاه العالمي
الذي تتفاوت سرعته لتعويم نظام بشار الأسد بقوة الأمر الواقع، أو بقوة درجات الزلزال.
تعويم كيفما نُظر إليه، يعطي مشروعية لكثير من مشاعر المؤامرة والمظلومية التي تتملك
سوريين كثراً على قاعدة أن العالم يعاملهم على أنهم "بشر فائضون عن الحاجة".
وإلا، لماذا لم تدخل مساعدات وفرق إنقاذ قبل مرور أربعة أيام
على حصول الزلزال؟ لماذا بقي معبر باب الهوى (الوحيد المفتوح مع تركيا) خالياً من الشاحنات
طوال هذه الأيام؟ لماذا لم يُفتح بقوة المجتمع الدولي أيّ من المعابر الـ12 التي تمنع
روسيا فتحها؟ لماذا استغرق الأمر أسبوعاً كاملاً منذ وقوع الزلزال حتى عقد مجلس الأمن
الدولي اجتماعاً مغلقاً أول من أمس الاثنين لنقاش الأوضاع الإنسانية في سورية؟ أسبوع،
في ظروف الزلازل، هو بمثابة سنوات، ذلك أن الوقت يُحتسب بالثواني عندما يتعلق الأمر
بآمال إنقاذ أحياء من تحت الأنقاض. لدى دبلوماسيي نيويورك أجوبتهم. سفيرة مالطا، رئيسة
مجلس الأمن للشهر الحالي، فينيسا فرازير، رداً على أسئلة مراسلة "العربي الجديد"
ابتسام عازم، تبرّر التأخر القاتل بالحاجة إلى الاستماع من منسق الشؤون الإنسانية في
الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، عن "حقيقة الأوضاع على الأرض" في سورية لأنها،
والكلام للدبلوماسية المالطية إياها، لا يمكنها مع زملائها الاعتماد فقط على ما تقوله
نشرات الأخبار. أما غريفيث، فجوابه محيّر، يتفاوت الحكم عليه بين الصراحة والوقاحة،
وبينهما مجرّد شعرة مثلما هو معروف. قال الرجل من معبر باب الهوى: لقد تقاعسنا عن مد
يد المساعدة للناس في شمال غربي سورية. إنهم على حقّ في شعورهم بالخذلان، ونركز على
تصحيح الخطأ سريعاً. أما وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، فلم يُسأل أصلاً
عن إهمال العالم للسوريين، فشعبه منكوب أكثر من جيرانه، لكنه تطوّع إلى تقديم فكرة
أولية عن شكل تعاطي أنقرة مع هؤلاء مستقبلاً، فجزم بأن تركيا لن تسمح بتدفق جديد للاجئين
من سورية بعد الزلزال.
يُفرح كلام مولود جاويش أوغلو عن أن بلاده استقبلت عروض دعم
ومساندة من 99 دولة، بالقدر نفسه الذي تغرز كالسكين حقيقة أن السوريين في المناطق الخارجة
عن سيطرة النظام تُركوا وحيدين لتدبر مأساتهم، باستثناءات قليلة لدول ومنظمات بادرت
إلى تقديم شيء من العون. محيّر هو أمر كل هذا الازدراء الذي يشعر السوريون اليوم أن
العالم يكنّه لهم. هو الازدراء نفسه الذي يعاينوننه في قهقهات بشار الأسد فوق قبور
حلب، وكأنه تأكّد، للمرة المليون، أن مسلسل حظه الذي يفلق الصخر سيرافقه حتى قبره.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر
عن "آفاق نيوز".