استحقاق الرئاسة الأولى .. وتحدّيات المرحلة
آب 18, 2022

د. وائل نجم

أقل من أسبوعين ويدخل البلد في المهلة الدستورية لاستحقاق انتخاب رئيس الجمهورية، حيث يتحوّل المجلس النيابي اعتباراً من الأول من أيلول المقبل إلى ما يشبه الهيئة الناخبة التي من أوجب وأوْلى أولوياتها انتخاب رئيس جديد للبلاد.

وفي سياق الحديث عن استحقاق الرئاسة الأولى، وعلى الرغم من الحديث الدائم عند بعض الأطراف والقوى السياسية عن فقدان هذه الرئاسة لصلاحياتها ودورها في النظام السياسي، نجد أنّ الاهتمام بهذا الاستحقاق كبير وكبير جدّاً عند أغلب بل كلّ القوى السياسية لما يمتاز به موقع الرئاسة الأولى من دور، وما تتمتّع به الرئاسة الأولى من صلاحيات وتأثير، وهو ما يدحض كلّ الأحاديث والأقوال عن أنّ الرئاسة الأولى ليس لها دور أساسي بل هامشي.

ومع اقتراب موعد المهلة الدستورية للاستحقاق وجدنا أنّ القوى السياسية المتعدّدة، والمرجعيات السياسية والدينية على تنوّعها بدأت تظهر اهتمامها بهذا الاستحقاق، وقد لاحظنا خلال الأسبوع الماضي كيف أنّ البطريرك الماروني حدّد مواصفات معيّنة للرئيس المنتظر، وكذلك فعلت مرجعيات دينية مسيحية أخرى، وهو أيضاً ما أشارت إليه بعض الشخصيات السياسية الرئيسية كما في حالة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل وغيرهم، وهو ما يعكس حجم الاهتمام بالاستحقاق من ناحية، وبالشخصية التي ستجلس على كرسي بعبدا بعد الرئيس ميشال عون.

وفي سياق الحديث عن الاستحقاق الرئاسي لا بدّ من التذكير أنّ الدستور اللبناني واضح لناحية انتهاء ولاية الرئيس في الساعة الأخيرة من اليوم الأخير من تشرين الأول المقبل، وبالتالي فإنّ الرئيس ميشال عون ليس أمام أيّ خيار سوى مغادرة قصر بعبدا في هذا التوقيت حتى لو لم يتمكّن المجلس النيابي من انتخاب رئيس جديد قبل هذا الموعد، وهو ما حصل مع الرئيس ميشال سليمان عندما غادر قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته، وقد انتقلت صلاحيات الرئاسة في حينه إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وظلّ الفراغ في موقع الرئاسة لأكثر من عامين ونصف تقريباً حتى تمّ انتخاب الرئيس ميشال عون.

من حقّ الرئيس ميشال عون البقاء في قصر بعبدا حتى آخر لحظة من ولايته، ولكن ليس من حقّه على الإطلاق أبداً أن يبقى في القصر أو أن ينقل صلاحياته لغير مجلس الوزراء خلافاً للدستور، وبالتالي فإنّ المسؤولية الأولى تقع على عاتق المجلس النيابي المُطالب بانتخاب رئيس جديد خلال المهلة الدستورية التي تبدأ في الأول من أيلول ولا تنتهي مع انتهاء ولاية الرئيس. أمّا المسؤولية الموازية فإنّها تقع على عاتق رئيس الجمهورية المُطالب بالتعامل بكل سهولة وتأمين انسيابية الانتقال للسلطة. وأمّا المسؤولية الثانية فإنّها تقع على عاتق القوى السياسية والكتل النيابية المطالبة بالوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين في ظلّ الانسداد في الأفق السياسي والأزمة الاقتصادية، وإلاّ فإنّها تكون مسؤولة بشكل كبير عن كل ما يعانيه المواطنون.

أخطر ما في هذا الاستحقاق أنّ الفشل فيه يعني دخول لبنان في دوّامة جديدة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي ما يُهدّد لبنان الكيان والنظام والصيغة، ويفتح المجال أمام صراعات من نوع مختلف قد تؤدّي فيما تؤدّي إليه إلى انشطار لبنان وتشظّيه إلى أكثر من قطعة جغرافية ومذهبية وطائفية.

ولكن في مقابل ذلك فإنّ أمام اللبنانيين فرصة حقيقية لإنقاذ البلد من هذا الجحيم الذي بلغه مع عهد الرئيس ميشال عون، وهذه الفرصة جدّية وحقيقية فيما لو تحمّلت القوى السياسية مسؤوليتها وقامت بدورها انطلاقاً من حسابات وطنية وليس من حسابات ظرفية ضيّقة، وبالتالي فإنّ استحقاق الرئاسة الأولى سيكون بمثابة المدخل إلى اسقرار لبنان أو إلى انهياره بالكامل.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".