استحقاق انتخاب الرئيس .. هل ينجح القطريون حيث أخفق الفرنسيون؟
أيلول 27, 2023

د. وائل نجم

اثنتا عشرة جلسة كان آخرها في 14 حزيران الماضي عقدها المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية ولم ينجح بذلك لأنّ بعض النوّاب أو بعض الكتل النيابية كانوا يتسرّبون من القاعة العامة إلى خارجها لإفقاد الجلسة نصابها القانوني والدستوري، وبالتالي تعطيل انتخاب الرئيس.

والعديد من الجولات والوساطات التي قادها مبعوثون فرنسيون لم تنجح أيضاً في تدوير الزوايا وفي إقناع الكتل النيابية والقوى السياسية بضرورة انتخاب رئيس يكون محل قبول وثقة وقناعة كلّ اللبنانيين أو أغلبهم على أقلّ تقدير. ربما يعود السبب في ذلك إلى عدم ثقة واطمئنان بالطرح الفرنسي الذي ظهر كما لو أنّه يعمل من أجل تأمين مصالح فرنسا على حساب انتخاب رئيس للجمهورية، أو لنقل إنّه أراد تقديم المصلحة الفرنسية وصفقاتها مع القوى المحلية والإقليمية على حساب المصلحة اللبنانية التي تتطلّب انتخاب رئيس يعمل على حلّ الأزمات ويعيد الاعتبار للعلاقات اللبنانية مع العمق العربي بشكل أساسي، ويؤمّن نوعاً من التوازن الداخلي بين القوى السياسية والمكوّنات اللبنانية، وليس رئيساً يكون محسوباً على طرف داخلي أو محور خارجي، أو على أقلّ تقدير لا يظهر بهذا المظهر.

عبثاً حاول الفرنسيون بعد فقدان الثقة بهم، وهم إلى الآن ما زالوا يتحرّكون على خطوط الوساطات حتى يظلّوا شركاء بصناعة الحلّ انطلاقاً من حرصهم على مصالحهم في ضوء الضربات التي يتلقونها في غرب أفريقيا. ولكن الآن تقّدم وسيط آخر هو الوسيط القطري الذي وصل مبعوثه إلى بيروت وشرع في لقاءات مع الفاعلين في القرار الانتخابي، وهو يجسّ النبض اللبناني في مسألة الأسماء، وربما يحمل مقترحات في هذا السياق، ويستمع إلى اقترحات القوى والكتل اللبنانية، فهل ينجح القطري حيث فشل الفرنسي؟ وهل تولد التسوية على يديه وفي أي وقت؟

للتذكير فإنّ القطري قاد وساطات في أكثر من مكان وملف ونجح فيها نجاحاً واضحاً حتى بين قوى ودول كانت على طرفي نقيض كما في المسألة الأفغانية، على سبيل المثال، عندما استضافت الدوحة مفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان. كما نجح عندنا في لبنان باستضافة حوار في العام 2008 أنتج في حينه تسوية الدوحة التي أتت بالرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهيورية. وقبل أسابيع قليلة نجحت الدوحة في وساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في ملف إنساني له بعد سياسي عندما تبادل الطرفان إطلاق مسجونين لدى كلّ منهما بالإضافة إلى الإفراج عن أموال إيرانية كانت محتجزة في كوريا الجنوبية.

إذاً هي نجاحات مشهودة للوسيط القطري في ملفات حسّاسة ودقيقة ومعقّدة ومتشعّبة، ولعلّ من أسباب نجاح الوساطات القطرية أنّ المساعي الحميدة تكون مجردّة عن أيّة مصالح وحسابات خاصة، وأنّ الثقة من الأطراف المتخاصمة أو المتواجهة ثقة تامة بالوسيط القطري الذي يتعامل من دون قفّازات، وبالتالي فإنّ هذه الأسباب كفيلة بنجاح المسعى القطري. غير أنّ هذه الأسباب ليست وحدها المؤثّرة باستحقاق الرئاسة اللبنانية والكفيلة بإقناع القوى المعطّلة التي تتقاذف المسؤولية بالتعطيل، بل هناك عوامل أخرى من بينها مصالح القوى الخارجية المؤثّرة، وهي بالمناسبة قوى تتعامل مع لبنان باعتباره ساحة لها. وهناك القوى الداخلية التي لها حسابات خاصة محكومة بتوازنات داخلية وخارجية. وهناك المنافسة أو الصراع في المنطقة وتداخل ذلك مع ما يجري في لبنان. كلّ هذه العوامل تحتاج إلى معالجة قبل أن تصل الأمور إلى خواتيمها السعيدة، وهي ستصل يوماً لكنّه قد لا يكون قريباً.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".