منير
الربيع
لا يزال
لبنان على طريق طويل متعرج للوصول إلى المخاض العسير. وفي لحظة الانهماك بالانتخابات
النيابية، لا بد من ربط السياق المستقبلي للبلاد بالتطورات الإقليمية. فبعض القوى تتصرف
وكأن الانتخابات استحقاق مفصلي يحدد معالم المرحلة المقبلة. فتروح تجتهد لتحسين ظروفها
الانتخابية. وقوى أخرى تعتبر أن المكتوب يُقرأ من عنوانه، فتركّز على مسار المفاوضات
الأميركية- الإيرانية لإيجاد تسوية إقليمية، قد تحتاج إلى وقت طويل.
حزب
الله وعبد اللهيان
زيارة
وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان واضحة الأهداف والمعالم. فحزب الله استبق
الزيارة ببيان انتقد فيه المملكة العربية السعودية، إذ ورد في بيان كتلة الوفاء للمقاومة:
"تدين الكتلة الاجراءات والممارسات التعسفية والارهابية التي يقوم بها النظام
السعودي منتهكاً كل قوانين حقوق الانسان ومتنكراً لأصول المحاكمات العادلة.. وترى الكتلة
أن استهداف واحد وأربعين شخصاً من معتقلي الرأي من أصل واحد وثمانين محكوماً قطعت رؤوسهم
هو ظلم فاضح وفعل إجرامي موصوف، يجب أن تدينه منظمات الدفاع عن حقوق الانسان وكل الأحرار
والشرفاء في العالم"..
لا شيء
تغير إذًا على صعيد العلاقة الإيرانية- السعودية. وحتى لو حصل تقدم في المفاوضات فذلك
لم يشمل لبنان حتى الآن. وفي حال شموله لبنان، يصر حزب الله على الاستمرار في مواقفه،
وكأنه يقول للسعودية: إذا عدتِ إلى لبنان عليك التعاطي مع واقع حزب الله كما هو وعلى
نحو مستقل.
وهذا
يتقاطع مع مضمون كلام عبد اللهيان الذي قال خلال زيارته بيروت: يتوجب على السعودية
أن تعلن مواقف واضحة في شأن التعاطي مع لبنان. وهذا كلام واضح في سياقه: على السعودية
التعاطي مع الأمر الواقع اللبناني، والذي أصبح تحت سيطرة حزب الله. وبناء على ذلك تريد
إيران أن تعود السعودية إلى لبنان..
كهرباء
إيران
وثبّت
عبد اللهيان موقفه هذا في ما قاله لدى وصوله إلى مطار رفيق الحريري ببيروت، استباقًا
لبدء جولاته ولقاءاته، مستعيدًا ما أبلغه لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال لقائهما في
مؤتمر ميونخ، حول استعداد إيران لتقديم الدعم للبنان، وخصوصًا لجهة إنشاء معامل للكهرباء.
وهذا
دليل على ثبات إيراني لجهة الاهتمام بالتعاون مع الدولة اللبنانية، والتعاطي مع لبنان
وكأنه جزء من بطانتها الإقليمية. وكان جواب ميقاتي حينذاك أنه يرحب بهذا الاقتراح،
ولكن حاليًا لا يمكن الذهاب إلى مثل هذه المشاريع، طالما إيران خاضعة للعقوبات، أما
بعد رفع العقوبات فيمكن التفكير جديًا بذلك.
وأكثرية
نيابية
ويريد
عبد اللهيان من زيارته تثبيت الواقع اللبناني الذي يصب في صالح إيران، واستمرار العلاقات
مع الدولة اللبنانية والحكومة، وخلق أرضية جديدة لدور طهران المستقبلي على الساحة اللبنانية.
أما التهدئة في هذه المرحلة، فبانتظار الانتخابات النيابية، التي يعتبر حزب الله وإيران
أنهما قادران على الفوز فيها بالأكثرية.
وقد
تكون المعركة على عدد قليل جدًا من النواب، لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة.
وهم سيكونون الفيصل في تحقيق الأكثرية أو عدمها.
ما بعد
الانتخابات
والأهم
لحزب الله وإيران هو المرحلة التي تلي الانتخابات النيابية، طالما أنهما ينطلقان من
سياق سياسي واضح: الوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية، بغض النظر عن تأخر
توقيعه.
وهذا
له ارتدادات إيجابية عليهما في الداخل اللبناني لاحقًا. وكذلك على المساعي العربية
للانفتاح على النظام السوري. وعلى أي واقع تغييري في لبنان يفترض به أن يصب في مصلحة
حزب الله، الذي يعتبر أن عزوف السنة عن المشاركة في الانتخابات النيابية له هدف أساسي:
لا أحد من رموز السنة يريد أن يكون حاضرًا في أي تفاوض يقود إلى تقديم تنازلات كبيرة
لصالح حزب الله في بنية النظام أو الدستور، وتعزيز حصة الشيعية السياسية على حساب المسيحيين
والسنّة.
الفراغ
أو باسيل
وعليه
فإن الانتخابات تؤدي إلى احتمال من إثنين:
- توفر
ظروف إقليمية ودولية تقود إلى تشكيل حكومة، وانتاج توافق على انتخابات رئيس جمهورية.
وبحال مالت الكفة لصالح حزب الله وحقق الأكثرية الساحقة، يذهب إلى انتخاب باسيل رئيسًا
للجمهورية، إذا قرر المضي حتى النهاية في معركته. وهنا يحتاج خصومه إلى التعطيل الذي
كانوا يحاربونه سابقًا، أو يرضخون لقواعد اللعبة.
- أو
عدم تشكيل حكومة وعدم انتخاب رئيس جمهورية واستمرار الفراغ، في انتظار تبلور ظروف إقليمية
ودولية لعقد تسوية، يتجهز لها حزب الله بكل استعداداته وترتيباته. وقد يكون الفراغ
فرصة للقوى المعارضة لحزب الله كي تبلور مشروعها خارج سياق الانقسامات الداخلية والخلافات
البينية، مبني على وجهة عربية واضحة، هدفها استعادة التوازن السياسي والاقتصادي.
وفي
هذه الحال يمكن تعديل بعض موازين القوى، خارج الخضوع لمعيار السلاح، وارتكازًا إلى
رؤية سياسية قادرة على التأثير والتغيير.
المصدر:
المدن.
الآرائ
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".