بيار عقيقي
لمن اطّلع على قانون الموازنة العامة اللبنانية لعام
2022، يُمكن أن تنتابه موجة من الضحك. الضرائب والرسوم المفروضة على كل فرد في البلاد
أكبر من المدخول الممكن أن يجنيه، هذا في حال تمكّن من تأمين عملٍ ما. في الغالبية
العظمى من بنودها، لا تتطرّق الموازنة إلى كيفية تنظيم الضرائب بطريقة تصاعدية، أي
أن تبدأ أولاً مع أصحاب الثروات الذين راكموا أموالهم بسبب الفوائد الضخمة التي قدّمتها
المصارف، ولا إلى كيفية إعادة الأموال المنهوبة من اللبنانيين إلى خزانة الدولة، ولا
إلى كيفية ضبط إيرادات المعابر الشرعية بحراً وبرّاً وجواً، ولا إلى السيطرة على المعابر
غير الشرعية وإقفالها.
لا تتطرّق الموازنة نفسها إلى الاقتصاد البديل الذي قد يكون
حزب الله أكبره، لكنه ليس الوحيد في ذلك. هذا النوع من الاقتصاديات أنقذ الوضع المالي
اللبناني في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، بسبب تهريب الحشيش من جهة، وتدفق الأموال
غير الشرعية إلى المصارف اللبنانية بسبب "السرّية المصرفية" من جهة أخرى.
لكن هذا النوع حالياً يفكّك الدولة المركزية لمصلحة لامركزية تائهة بين الخطابات الشعبوية
والتفكير الهادئ.
الموازنة اللبنانية نفسها لا تبالي باستثمار إنفاقي، يسمح
بتبديد هواجس أي مستثمر، داخلي وخارجي، بدءاً من تأمين المواصلات والكهرباء والمشتقات
النفطية والإنترنت والاتصالات، وصولاً إلى تسهيل الإجراءات البيروقراطية الطويلة. ولهذه
الإجراءات قصة أخرى، ذلك أنه بسبب الحاجة إلى "تنفيع" الموظفين الوهميين،
أو ممّن عُيّنوا باسم الأحزاب في الدولة لكسب أصواتهم الانتخابية في أي استحقاق نيابي،
اعتُمد نظام بيروقراطي أشبه بالسير في دهاليز عشوائية، فقط لدفع الرشى لكل موظف من
هؤلاء، بغية تمرير معاملةٍ بسيطة. أساساً، في زمن المكننة كل شيء مفترض أن يكون أسهل
لخدمة المجتمع.
لا تشير الموازنة إلى كيفية استرداد أملاك الدولة، تحديداً
البحرية منها، ولا إلى كيفية تغريم أصحابها. أما في ملف تأمين الطاقة، فإن الحكومة
تبحث عملياً، في كيفية إحقاق التوازن بين شركة الدولة الرسمية، التي يُفترض أن تؤمن
عشر ساعات تغذية كهربائية من أصل 24، اعتباراً من مطلع شهر إبريل/ نيسان المقبل، وبين
أصحاب المولّدات الخاصة الذين باتوا جيشاً من المحسوبين على أحزاب وسياسيين. وطبعاً،
في زمن الموسم الانتخابي، لا يُمكنك أن تُغضب أحداً كي لا ينتخبك.
عدا ذلك، يعدّ عدم توحيد سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية
مجزرة حقيقية لكل شخص في البلاد. أدّت السياسة الهجينة بين الليرة والدولار إلى إذابة
موجودات المودعين الصغار، الذين وحدهم تأثروا وسيتأثرون بأي صيغةٍ لتوزيع الخسائر،
والتي قدّمتها الدولة إلى صندوق النقد الدولي، وقيمتها 69 مليار دولار. وفي حين لم
تضع الموازنة سعر صرف موحّداً، أو أقله يتمتع بهامش ضيّق للبناء عليه في الإيرادات
والتصدير والجباية، فإنها، في المقابل، لم تقدّم شرحاً وافياً بشأن كيفية حماية المواطنين
من ارتفاع أسعار السلّة الغذائية وكلفة الطبابة والتعليم، بل تكرّر الحكومة أنها في
صدد تأمين تمويل "بطاقة لدعم الأسر الأكثر فقراً". مع العلم أن عدد هذه الأسر
سيرتفع في هذا العام وفي العامين المقبلين. بالتالي، فعن أي جبايةٍ ومداخيل تتحدّث
الحكومة، في ظلّ تراجع حجم الإيرادات المُجباة، وفي ظلّ توقعاتٍ مستمرّة بخروج آلاف
الأشخاص من سوق العمل؟ لا جواب، سوى فوضى خطابية لوزراء الحكومة، حتى لو أن بعضهم وُضع
في الواجهة "بعد خراب البصرة" في اللحظة الأخيرة.
أما الخبر الأغرب، فيتعلق بمن يريد الهجرة من لبنان، إذ بات
عليه أن يدفع ثمن هروبه من البلاد، وبالدولار. صحيحٌ أن الاستثمار بالمغتربين ليس شأناً
جديداً في لبنان، لكن "الابتكار" فاق الخيال. لكن كان على واضعي الموازنة
إضافة بندٍ يسمح بجباية الأموال من كل لاجئ لبناني سيدوّن اسمه في سجلات اللجوء.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبه ولا تعبّر عن
"آفاق نيوز".