الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. بقعة ضوء في ظلمة الأمة
كانون الثاني 18, 2024

د. وائل نجم

احتضنت الدوحة الأسبوع الثاني من يناير / كانون الثاني الجاري الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حيث شارك في هذه الجمعية قرابة ألف عالم وناشط من أنحاء العالم الإسلامي، بل من أبعد بقعة من العالم، تداولوا على مدى خمسة أيام قضايا تهمّ المسلمين في أنحاء العالم، واستعرضوا التحدّيات وسبل المعالجة وكيفية تحصين المجتمعات الإسلامية أمام الغزو الثقافي والفكري والعقدي، كما نقل كلّ منهم معاناة المنطقة التي يعيش فيها، فضلاً عن الدور الذي يقوم به العلماء في هذه المنطقة أو تلك، في جوّ من الأريحية والأخوّة. وأفرد العلماء نهاراً كاملاً لغزّة حيث يسطّر الشعب الفلسطيني أروع أنواع البطولة والصمود، واستمعوا إلى قادة المقاومة الفلسطينية أبو العبد هنيّة، وأبو الوليد مشعل قدّما أمام العلماء عرضاً وشرحاً وافياً لما يجري في غزة من عدوان، وما يقوم به الشعب الفلسطيني ومقاومته لإسقاط المشروع الصهيوني الذي يستهدف هدم المسجد الأقصى المبارك وإقامة الهيكل المزعوم، وقد تفاعل العلماء مع قضية غزة وفلسطين بشكل كبير وأبدوا كل استعداد لبذل الغالي والنفيس في سبيل نصرة الشعب الفلسطيني، وأكّدوا على أنّها قضية الأمة جمعاء. كما خصّص العلماء وقتاً كافياً لبحث كيفية مواجهة موجات الإلحاد والتطرّف، فضلاً عن الاهتمام بالمرأة والطفل وهما محل استهداف من مؤسسات ومخططات غربية على مستوى الأمة الإسلامية.

لقد حمل كل وفد من وفود العلماء الذين قدموا من أوروبا وأستراليا وأميركا وشرق آسيا وأفريقيا فضلاً عن البلاد العربية وغرب آسيا وآسيا الوسطى الأناضول. حمل كلّ وفد إلى إخوانه في الاتحاد هموم وقضايا البلدان التي يعيشون فيها، والدور الذي يقومون به في هذه البلدان من أجل تعزيز حضور الإسلام ونشره بين الناس، والتحدّيات التي تواجههم في تلك البلدان. لقد كان لافتاً عندما يستمع المرء إلى كلمات الوفود كيف أنّها تتحدّث كجزء من أمّة ممتدة ومنشرة على مستوى العالم، وتتطلّع إلى أمّتها من أجل أن تقف معها وإلى جانبها. كما كان لافتاً كيف أنّ كلّ الوفود تعتبر فلسطين قضية تتقدّم على قضاياها المحلية، وفي هذا الإطار أكّدت وفود مينمار وتركستان الشرقية وكشمير وغيرها على أنّ القدس والمسجد الأقصى هما قضيتهم الأولى على الرغم من المعاناة التي يعيشونها في بلدانهم.

وقد استمعت رئاسة الاتحاد ومجلس الأمناء المنتخب إلى كلمات الوفود وأكّدوا على أنّ الاتحاد سيعمل من أجل النهوض بالعالم الإسلامي تحت شعار "نقيم ديننا، وننهض بأمتنا، وننصر مقدساتنا"، وهو شعار يعدّ بمثابة خارطة طريق ستعمل عليها قيادة الاتحاد الجديدة المتخبة برئاسة الأمين العام السابق الشيخ الدكتور علي القرا داغي، والأمين العام الجديد المنتخب الدكتور علي الصلاّبي.

والحقيقة أنّ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يشكّل بقعة ضوء في ظلمة هذه الأمة حيث تسود حالة من القهر والاستبداد والتشتت والضياع والفرقة فيما يمثّل الاتحاد محاولة جادّة وجدّية لجمع الأمة من جديد وتنسيق جهودها وإطلاق قدراتها انطلاقاً من عمل العلماء الذين يمثّلون العامود الفقري لهذه الأمّة على امتداد تاريخها.

والحقيقة الثانية أن الجمعية العمومية لهذا الاتحاد كشفت أنّ الأمّة الإسلامية ما تزال بخير وتتمتّع بمقدرات كبيرة وعالية، وكفاءات في الكثير من الميادين، وهي بحاجة فقط لتفعيل هذه المقدرات وإطلاقها، وتنسيق جهودها، والتأصيل لعملها. كما وأنّ تجعل كلّ مسلم يشعر أنّه جزء من أمّة كبيرة وتزخر بالمؤهلات التي تجعلها تنهض من جديد وتتبوّأ موقع الصدارة والقيادة من جديد، وهو ما جسّده اجتماع الأمة في هذه الجمعية، وما ستثبته الأيام القادمة في السنوات المقبلة.

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يمثّل اليوم بقعة ضوء كبيرة في ظلمة هذه الأمة، وهذا الضوء سيكبر ويضيء ما حوله شيئاً فشيئاً حتى ينتشر نور الرسالة في كلّ مكان.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".