منير الربيع
يستمر العبث اللبناني على وقع التداول بأفكار تتعلق
بإنتاج تسويات على الطريقة اللبنانية، لكنها كلها لم تتبلور بعد.
عودة إلى صفقات قديمة
تبدأ الأفكار من إغلاق ملف التحقيق في تفجير مرفأ
بيروت، مقابل إغلاق ملف التحقيق والإجراءات القضائية مع المصارف، لإنضاج اتفاق على
رزمة تعيينات وتشكيلات مالية وقضائية وأمنية وعسكرية: بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان
بعد إقالة رياض سلامة، وإجراء تغييرات ومناقلات قضائية.
لكن كل هذه الأفكار لم تصل إلى أي توافق بين الأطراف
المتعارضة: الرؤساء الثلاثة والتيار العوني وحزب الله.
فرئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة يريدان إبرام
صفقة بحدود دنيا، من دون الدخول في تعيينات وتشكيلات، بل لإغلاق ملف تفجير المرفأ،
أي الإطاحة بطارق البيطار، وإغلاق التحقيق مع المصارف، ووقف التعقبات في حق حاكم المصرف
المركزي، تحت عنوان حماية الاستقرار وعلاقة لبنان مع المصارف المراسلة، والخوف من تداعيات
هذه المخاطر على الوضع المعيشي والاجتماعي.
في المقابل، يصر رئيس الجمهورية ورئيس التيار العوني
على إبرام سلّة متكاملة لينجحا في فرض التشكيلات التي يريدانها، على مسافة أشهر من
الانتخابات النيابية. ولذلك نشهد الكثير من التخبط والتصعيد الكلامي في المواقف، واستغلال
ما تبقى من مؤسسات رسمية لفرض مسارات مختلفة: كتشكيل لجنة برئاسة وزير العدل لمتابعة
الملف القضائي مع المصارف. وهذا ضرب كامل لنظرية استقلال القضاء وفصل السلطات. إضافة
إلى عقد جلسات حكومية لمناقشة القضاء والتدخل في عمله. وهناك أيضًا استمرار استخدام
سعر صرف الدولار ورفع الأسعار، وتدفيع اللبنانيين ثمن المناكفات والتحاصص.
النووي لا يغير شيئًا
وفي حال عدم الوصول إلى اتفاق يستمر التصعيد. وهذا
قد يضع الانتخابات في خطر مؤكد. أما في حال الاتفاق فتبقى كل هذه البهلوانيات في خانة
العبث السياسي، واستثمار الوقت الضائع في انتظار متغيرات إقليمية تنعكس على الواقع
الداخلي، وتؤدي إلى تسوية جديدة تتعلق باستحقاق الانتخابات النيابية، وتشكيل الحكومة
بعدها، وانتخاب رئيس جمهورية، وإجراء تعيينات في المواقع الأساسية والأولى في الدولة.
وذلك يحتاج إلى انتظار تبلور الصورة الاقليمية والدولية
في المرحلة المقبلة، لا سيما الاتفاق النووي وانعكاسه على الواقع الداخلي اللبناني.
ومخاطر الاتفاق ستكون أكبر من تلك التي حصلت بعد توقيع الاتفاق الأول سابقًا. ففي العام
2015 وعندما حصل الاتفاق النووي، لم يكن لدى إيران سوى ملف التخصيب. أما في العام
2022 فأصبح الإيرانيون يمتلكون الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة، وهي تشكل عناصر
أكثر خطورة على الوضع الإقليمي من السلاح النووي.
لكن الاتفاق لن يؤدي إلى أي تغيير في دور إيران
في المنطقة، ولن يخفف من قدرتها على الأذى. فالنووي لا يمكن استخدامه، فيما الصواريخ
الدقيقة والطائرات المسيرة قابلة للاستخدام. واليوم أصبح لبنان في قلب المعادلة الإقليمية،
بعد مواقف أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وتوكيده أن لبنان أصبح قادرًا على
تصنيع صواريخ دقيقة وصناعة طائرات مسيرة.
المشكلة اقتصادية
والتطورات السياسية أو العسكرية لا تنعكس سلبًا
على إيران في المنطقة. وما يشكل عناصر ضغط عليها هي الأزمة الاقتصادية في الداخل الإيراني،
وفي الدول التي تتمتع طهران بنفوذ فيها. وهي غير قادرة على تحسين الوضع لا في سوريا
ولا في لبنان أو في اليمن والعراق.
لذلك، فإن أي تسوية في المنطقة تحتاج إلى اتفاق
إقليمي بين إيران والدول الإقليمية. وهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت وفي انتظار وجهة
دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية وما تقرره في لبنان في إطار سعيها إلى
استعادة التوازن.
المصدر: المدن.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا
تعبّر عن "آفاق نيوز".