وائل نجم
يجري رئيس الجمهورية الاستشارات النيابية المُلزمة
يوم الخميس كجزء من واجبه الدستوري الذي فرضه وقرّره الدستوري من أجل الاستماع إلى
رأي النوّاب في الشخصية التي سيسند إليها تشكيل الحكومة الجديدة، وقد جعل الدستور نتائج
الاستشارات التي يجريها الرئيس مُلزمة له في تكليف شخصية بموجب العرف الدستوري من أبناء
المسلمين السُنّة للقيام بمهمة تشكيل الحكومة. وبهذا المعنى فإنّ صاحب الحقّ في تسمية
رئيس الحكومة هو المجلس النيابي، وليس رئيس الجمهورية. لأنّ العملية الناظمة لطريقة
التكليف هي بمثابة انتخاب من قبل النوّاب يقومون به بإشراف من رئيس الجمهورية، الذي
يشرف على عملية الانتخاب من ناحية، وهذا الأمر يضع كلّ الثقة بالرئيس المؤتمن على إصدار
النتيجة أيضاً، وبالتالي فلا يمكن التقليل من حجم ودور رئيس الجمهورية في هذه العملية
كما يحاول البعض أحياناً أن يوحي أو أن يقلّل. غير أنّ الحقّ بذلك يبقى للمجلس النيابي
الذي تجتمع فيه كلّ مكوّنات الشعب اللبناني، وهو صاحب السلطة والقرار الأول والأخير.
غير أنّ تطبيق هذه الآلية في اختيار أو تكليف رئيس
جديد للحكومة، لم يظهر بشكل واضح لا لبس فيه وقتاً محدّداً لرئيس الجمهورية للقيام
بهذا الإجراء. وإن كانت المواد الدستورية الناظمة توحي وتعطي انطباعاً أنّ هذا الإجراء
يجب أن يجري على وجه السرعة لأنّ أيّة حكومة عند استقالتها أو عند انتخاب مجلس نيابي
جديد، أو عند انتخاب رئيس جديد للبلاد تتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال ضمن أضيق الحدود،
وبالتالي فإنّ الأصل أن تكون هناك حكومة أصيلة تقوم بدورها ووظيفتها وواجبها، وهذا
يقتضي الإسراع بتشكيل الحكومة دون أيّ إبطاء، وهو بدوره يحتّم الإسراع أيضاً بإجراء
الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية تشكيل الحكومة، وعليه فإنّ رئيس الجمهورية
عليه أن يبادر دون إبطاء أو تأخير لإجراء الاستشارات وتكليف من يسمّيه النوّاب، وهنا
لا بدّ من تسجيل أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون تأخّر في توجيه الدعوة لإجراء الاستشارات
النيابية الملزمة، فقد مرّ على انتخابات المجلس النيابي أكثر من شهر، والبلد يعيش حالة
اقتصادية صعبة للغاية وهو بحاجة إلى حكومة أصيلة تقوم بما يجب أن تقوم به الحكومات
لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد ووطن ودولة ومؤسسات ومجتمع.
أمّا المسألة الثانية فإنّ رئيس الجمهورية لا يحقّ
له أن ينتظر اتفاق القوى السياسية والكتل النيابية على اسم معيّن أو شخصية بذاتها من
أجل تحديد موعد الاستشارات المُلزمة. إنّ هذا الأسلوب هو محاولة بائسة وفاشلة من أجل
فرض أعراف دستورية إضافية تزيد المشهد العام في لبنان تأزّماً وتراجعاً. إنّ الوضع
في لبنان يكفيه ما هو فيه. والمواطن اللبناني رأى على مدار الأعوام الماضية وما شهدته
من استحاقاقات أنّ رئيس الجمهورية ومعه بعض التيارات السياسية تحاول مع كل استحقاق
أن تفرض أعرافاً دستورية جديدة متخطيّة بذلك صلاحياتها وصلاحيات المؤسسات الدستورية
الأخرى، وهذا الأمر دائماً ما يزيد من الأزمة ويبعد الناس عن الحلول.
لبنان لم يعد يحتمل الكثير من إضاعة الوقت. ولبنان
بلد لا يحتمل المعارك الصفرية الإلغائية من جانب أيّ طرف. ولبنان بلد لا يقوم بالمناكفات
ومحاولات الفرض والإكراه والإجبار. ولبنان مساحة تلاقى للجميع، ولا يحتمل المغامرات
كثيراً فآن للجميع أن يعي ذلك وأن يدركوا أن اللبناني بات يبحث عن الخلاص في دولة مؤسسات
معتبرة بعيداً عن كل أهواء أهل السلطة وطموحاتهم فآن أن تكون له هذه الدولة.