الانتخابات النيابية وتجديد قيادة الساحة الإسلامية
شباط 10, 2022

د. وائل نجم

دخل لبنان اعتباراً من الأول من شباط في مرحلة المهل الدستورية للاستحقاق الانتخابي النيابي مع فتح باب الترشّح للانتخابات والذي سيظلّ مفتوحاً حتى منتصف شهر آذار المقبل، وقد بدأت أغلب أو معظم القوى السياسية تتعاطى مع الاستحقاق بالجدّية المطلوبة كما لو أنّه حاصل خلافاً لكل التكهنات والأحاديث عن إمكانية تأجيل الانتخابات إلى وقت لاحق.

ولقد كان لإعلان رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، قرار تعليق العمل السياسي بالنسبة له شخصياً ولتيّاره أيضاً وقع كبير على الساحتين الوطنية والإسلامية على حدّ سواء. فالرجل يشغل منذ قرابة عقد ونصف من الزمن موقعاً وطنياً كبيراً ومهمّاً من خلال رئاسته لأكبر كتلة نيابية، وموقعاً إسلامياً من خلال تفرّده بزعامة المسلمين السُنّة في لبنان، وقد كان ذلك كفيلاً بترك فراغ كبير في هاتين الساحتين ينشغل الكثير حالياً في محاولة استشراف المرحلة المقبلة لناحية كيفية ملء هذا الفراغ وكيفية إدارة المرحلة المقبلة بغياب الرجل.

غير أنّ الحريري الذي ساق جملة من الأسباب الداخلية التي قال إنّها دفعته إلى تعليق مشاركته بالحياة السياسية اعترف أنّ سياسة التنازلات التي انتهجها تحت عنوان إنقاذ الوطن ومنْع الحرب الأهلية أو الفتنة المذهبية أو الطائفية لم تلؤتِ كلّ ثمارها المرجوّة. خاصة وأنّ هذه السياسية التي اتسمت من وجهة نظر الحريري بالتضحية كانت بمثابة تنازلات باسم المكوّن الذي مثّله الحريري في النظام السياسي اللبناني لصالح مكوّنات آخرى لم يكن لها أيّ هَمّ في عملية الإصلاح أو الإنقاذ أو خلاص الوطن، وبالتالي فإنّ الحريري الذي علّق مشاركته في الحياة السياسية اليوم رحل عن الحياة السياسية وعن لبنان إلى عالم المال والأعمال، بينما بقي المكوّن الذي مثّله يوماً ونطق باسمه يعاني من نتائج تلك السياسات والتنازلات التي ليس من السهولة استعادتها أو استعادة بعض منها، ومن هنا برز السؤال الجوهري والمنطقي وسط الساحة الوطنية بشكل عام، ووسط المسلمين السُنّة بشكل خاص حول تعليق الحريري لمشاركته السياسية هل هو كارثة إضافية على هذا المكوّن أم ترى هو فرصة حقيقية وجدّية لهذا المكوّن للتخلّص من سياسة التنازلات والتراجع التي انتهجها الحريري في بلد تقوم سياسته على منطق الاستقواء والتمسّك بالمكتسبات والحقوق دون أيّ تراجع لأنّ ذلك يتحوّل إلى خسارة محقّقة لا يمكن تعويضها بسهولة، ومن هنا وجد البعض أنّ غياب الحريري عن السياسة وانخراطه في عالم المال والأعمال سيشكّل فرصة حقيقة لإنتاج قيادات جديدة على مستوى الساحة الإسلامية تكون مكافئة على أقل تقدير للشخصيات الأخرى التي تشغل مواقع كبرى في النظام والإدارة.

غير أنّ تعويض ذلك بشخصية كارزمية في وقت قصير وقياسي ليس شيئاً هيّناً أو متاحاً بشكل سريع وكامل، فما يفصل الناس عن موعد الانتخابات هو بضعة أشهر ليس أكثر من ذلك، ومن الصعوبة إنتاج أو إيجاد زعامة بحجم الحضور والانتشار الإسلامي في الوطن قبل الانتخابات، ولكن ذلك غير متعذّر على مدى الشهور والسنوات المقبلة، فالمسلمون السُنّة في لبنان مكوّن أفرز وما زال يفرز شخصيات قيادية أصحاب كفاءة وخبرة ورجال دولة من الطراز الأول فضلاً عن زعامات كبيرة سواء كانت مناطقية أو حتى وطنية.

المهمّ خلال هذه الفترة التي تمتد أو تفصل عن موعد إجراء الانتخابات أن الساحة الإسلامية بحاجة إلى إيجاد البديل المرحلي أو الظرفي الذي يؤمّن الاستمرارية من ناحية والعبور إلى المرحلة التالية من ناحية أخرى، ولعلّ أفضل من يمكن أن يقوم بهذا الدور هي مؤسسة دار الافتاء بقيادة مفتي الجمهورية حيث يمكن أن تشكّل الدار قيادة إسلامية مرحلية أو ظرفية تجمع إمكانيات وطاقات وكفاءات الساحة الإسلامية على تنوّعها وغناها لعبور الاستحقاق بما يضمن الوحدة الوطنية والعيش الواحد من ناحية وحضور ودور المكوّن المسلم من ناحية ثانية، ومن ثمّ بعد ذلك يمكن لهذه الساحة أن تفرز قيادة جديدة أو زعامة جديدة تكون على مستوى التحدّيات، ويبقى المهمّ في كلّ ذلك أن لا تتحوّل هذه الساحة إلى ما يشبه السلعة أو التركة التي يتمّ توارثها كما لو أنّها من الأثاث.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".