رندة حيدر
حرص الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه، الأسبوع
الماضي، على استخدام كلمة "فوضى" بدلاً من الانهيار، في وصفه الوضع المأساوي
الذي يشهده لبنان مع التدهور الهائل في قيمة العملة الوطنية والارتفاع الجنوني في سعر
صرف الدولار في السوق السوداء. وحمّل علناً الولايات المتحدة وإسرائيل تبعة هذه
"الفوضى"، ليهدّد بأن حزب الله لن "يجلس ويتفرّج على الفوضى، وسنمد
يدنا إلى من يؤلمكم، حتى لو أدّى هذا إلى خيار الحرب مع ربيبتكم إسرائيل".
من الصعب على اللبناني وعلى غير اللبناني فهم المضامين الفعلية
لهذا التهديد. من هنا السؤال الذي يطرحه اللبنانيون اليوم على أنفسهم: ما الذي قصده
نصر الله تحديداً بتهديده؟ هل يهدّد بقصف إسرائيل إذا، مثلاً، استمرّت الضغوط على الساسة
اللبنانيين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهذا ما تفعله حالياً الدول الكبرى التي اجتمعت
أخيرا في باريس؟ وهل الرد على الشائعات عن علاقات مالية بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة
وحزب الله، والتي يقول نصر الله إن الأميركيين وراءها، يكون بفتح جبهة مع إسرائيل؟
وهل سبب تفاقم الأزمة المالية والضائقة الاجتماعية الناتجة عنها محاولات إسرائيلية
وأميركية لنشر الفوضى، أم الفشل الذريع لكل المنظومة الحاكمة في الخروج من الأزمة من
خلال اتخاذ قرارات مؤلمة، والقيام بإصلاحات طلبها صندوق النقد الدولي من أجل مساعدة
لبنان للخروج من تعثّره، ومن أزمته الخانقة.
الكل يعلم في لبنان أنه لا يمكن إنقاذ هذا البلد من مصيره
الأسود سوى بمساعدة ماليه خارجية، وهذه المساعدة مشروطة باتخاذ قرارت مصيرية مالية
بالدرجة الأولى، تتعلق بإصلاحات مالية واقتصادية. صحيحٌ أن الشغور في سدة رئاسة الجمهورية
يزيد في مفاقمة الوضع، لكنه ليس السبب الأساسي وراء الارتفاع في سعر صرف الدولار. المشكلة
تكمن في مكان آخر، عجز المنظومة السياسية بكل فئاتها وتوجهاتها السياسية، ومن بينها
حزب الله، عن القيام بأي خطة إيجابية نحو الحل، من بينها رفع الغطاء السياسي عن حاكم
مصرف لبنان وهندساته المالية الفاشلة، وتحميل المصارف جزءاً من مسؤولية الأزمة المالية،
وتحرّك الدولة لأداء مهامها في المحافظة على الأمن الاجتماعي للمواطن اللبناني، المهدّد
الآن بالجوع والفقر والفلتان الأمني.
لقد تحوّل لبنان في العامين الأخيرين إلى نموذج فريد من نوعه
للدولة الفاشلة. دولة لا تستطيع تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم لمواطنيها الذين
يرزحون يومياً تحت وطأة أزمةٍ تشد على خناقهم يوماً بعد يوم، إلى جانب وجود قوة عسكرية
لديها فائض هائل من القوة وترسانة صاروخية وسلاح دقيق ومسيّرات تستطيع تهديد أكبر قوة
عسكرية في المنطقة، هي إسرائيل. لبنان منهار اقتصادياً، لكن في داخله قوة قاهرة عسكرية
يمكنها أن تزعزع استقرار المنطقة كلها. ولكن المفارقة الكبيرة أن فائض القوة العسكرية
التي يملكها حزب الله تجاه خصومه في الداخل والخارج لا تقدّم ولا تؤخّر في مسار الانهيار
الكبير الذي يشهده لبنان.
ما نفع أن تكون لدينا مسيّرات نهدد بها حقل كاريش، وليس لدينا
ما يكفي لسد رمق اللبناني وتأمين أبسط حاجياته؟ هدّد نصر الله من جديد بوقف العمل في
حقل كاريش، إذا تعرقلت عمليات التنيقب واستخراج الغاز في لبنان، هو يدرك تماماً أن
الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وحل النزاع البحري والشروع في
عمليات التنقيب عن الغاز في حقل قانا قريباً هو الإنجاز الوحيد الإيجابي الذي استطاع
لبنان تحقيقه بمساعدة حزب الله، الذي هدّد، قبل التوقيع، بوقف العمل في حقل كاريش،
إذا لم يجر حل النزاع على ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. فهل من المنطقي أن يقضي نصر
الله على أهم إنجاز سياسي واقتصادي استطاع، إلى حد ما، تحقيقه، مستخدماً، بصورة غير
مباشرة، فائض قوته العسكرية، وفي هذا التوقيت الحساس؟
ما مدى صحّة تحميل نصر الله إسرائيل مسؤولية نشر "الفوضى
في لبنان؟ من يتابع ما تنشره إسرائيل في موضوع لبنان يخلص إلى عدم وجود استراتيجية
فعلية حيال الوضع المأساوي في لبنان، ففي تقدير إسرائيلي لوضع الجبهة مع لبنان نشره
أخيرا معهد دراسات الأمن القومي، هناك إشارة إلى فجوة مزدوجة في الاستراتيجية الإسرائيلية
إزاء حزب الله: الأولى، عدم وجود رد إسرائيلي على تعاظم القوة العسكرية للحزب الذي
تعتبره اليوم يشكّل التهديد التقليدي المركزي لها مع تزايد تأثير إيران في ما يجري
على الحدود "الإسرائيلية" – اللبنانية. والفجوة الثانية، عدم وجود استراتيجية
محدثة ومنتظمة حيال أزمة لبنان، وهل من مصلحة إسرائيل انهياره.
ويخلص التقرير إلى أن مصلحة إسرائيل هي عدم التدخّل في الشأن
الداخلي اللبناني، واستغلال اتفاق الغاز لتحسين العلاقة معه، والعمل على تطبيق اتفاق
الحدود البحرية، والتشجيع على إشراك لبنان في منتدى غاز شرق المتوسط، مع الاستعداد
لتقديم المساعدة له، حتى لو كانت تتوقع أن تواجَه بالرفض.
تواجه إسرائيل حاليا تحدّيات أصعب وأهم بكثير من الاهتمام
بنشر "الفوضى" في لبنان، بدءاً من الوضع المتفجّر في الضفة الغربية والممارسات
الشاذّة التي يقوم بها وزراء اليمين في الحكومة لتأجيج الوضع، مروراً بالأزمة السياسية
الداخلية بسبب إصلاحاتٍ قضائيةٍ تقترحها الحكومة الجديدة، من شأنها إلغاء استقلالية
القضاء والحدّ من صلاحياته، وصولاً إلى مواجهة خطر البرنامج النووي الإيراني، بعد اعتراف
الإسرائيليين بفشلهم في كبح هذا البرنامج، والبدء بالتحضير لردٍّ عسكريٍّ موثوق على
هذا الخطر بالتعاون مع الولايات المتحدة.
المصدر:
العربي الجديد.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".