التحدّيات التي تنتظر المسلمين السُنّة في المرحلة المقبلة
كانون الثاني 27, 2022

وائل نجم

أمّا وقد قطع الرئيس سعد الحريري الشكّ باليقين لناحية عدم المشاركة هو وتيار المستقبل بالانتخابات النيابية المقبلة ترشّحاً، فإنّ ذلك وضع المسلمين السُنّة في لبنان أمام تحدّيات جديدة في المرحلة المقبلة خاصة وأنّ الرئيس الحريري كان يمثّل زعيم سُنّة لبنان الأول من دون منازع، وأنّ تيّاره كان يشغل أغلب مواقع السُنّة النيابية والوزارية في الدولة، وأنّ قرار تعليق المشاركة بالحياة السياسية على أبواب الانتخابات النيابية ترك فراغاً كبيراً ووضع المسلمين السُنّة في لبنان أمام تحدّيات صعبة وخطيرة في هذه اللحظة التاريخية.

أول هذه التحدّيات يتمثّل بملء الفراغ الذي تركه غياب الحريري على مستوى زعامة المسلمين السّنة في بلد يقوم أساساً على فكرة الزعامة، فهناك الزعامة المسيحية، والزعامة الدرزية، والزعامة الشيعية وهكذا، وبالتالي فإنّ السُنّة باتوا بحاجة بعد اليوم إلى زعيم يجتمعون حوله، وقد أدّى هذا الدور تاريخياً آل الصلح وآل سلام في بيروت، وآل كرامي في طرابلس بشكل أساسي، ثم ورث من بعدهم رفيق الحريري وابنه سعد هذه الزعامة على مدى قرابة ثلاثة عقود من الزمن. والتحدّي الحالي أمام المسلمين السُنّة اليوم أنّهم لا يملكون زعامة سُنّية عابرة للمناطق وتتسع لحجم انتشارهم على مستوى الوطن، ولا يستطيعون صناعة هذه الزعامة في وقت قصير وقياسي إلاّ إذا قام بهذا الدور لفترة زمنية محدّدة مفتي الجمهورية الحالي، الشيخ عبد اللطيف دريان، وهو قادر على ذلك بحكم مرجعية دار الفتوى ومكانتها، غير أنّ ذلك يحتاج إلى تحرّره من أيّ ارتباط مع أيّ طرف داخلي أو خارجي، وإلى انفتاح على كل المكوّنات والشخصيات السُنّية السياسية والعمق العربي والإسلامي.

ثمّ إنّ ثاني التحدّيات هو في الحفاظ على الدور والحضور والتأثير في المشهد السياسي اللبناني في لحظة الحديث عن حوار وطني أو تعديل في شكل ومضمون النظام السياسي، بمعنى آخر هناك من يحاول قلب الصيغة اللبنانية لتكون فيها الغلبة لفريق أو طرف أو مكوّن على حساب الآخرين، وأمام ذلك السُنّة بحاجة إلى الحفاظ على قوتهم وحجم تأثيرهم، وإلى الاحتفاظ بالمقاعد النيابية المخصّصة لهم في المجلس النيابي حتى لا تتمّ الهيمنة عليها من قبل قوى سياسية ومكوّنات أخرى بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، وبالتالي فإنّ المطلوب الأول أمام هذا التحدّي عدم الذهاب إلى مقاطعة الانتخابات كما حصل مع المسيحيين في العام 1992، بل المشاركة الفاعلة والهادفة إلى الحفاظ على التواجد والدور. ومن ثمّ التوجّه للاصطفاف خلف قوى سياسية حركية يمكن أن تشكّل بديلاً ولو مرحلياً أو جزئياً عن تيار المستقبل في المرحلة المقبلة، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ أغلب الشخصيات السياسية السُنّية في البلد هي شخصيات مناطقية، بمعنى أنّ حضورها يقتصر على المناطق التي تنتمي إليها، فرئيس الحكومة الحالي، على سبيل المثال نجيب ميقاتي، ينحصر دوره وتأثيره وقوّته الشعبية في مدينة طرابلس، ومثله بقية الشخصيات السُنّية الأخرى، بخلاف سعد الحريري الذي كان له حضوره وتأييده ودوره في كل المناطق اللبنانية.

البديل الحقيقي عن تيار المستقبل للمسلمين السُنّة في هذه المرحلة هو التيار الإسلامي المنفتح والمعتدل والذي يوصف بالوسطية والعقلانية والذي تمثّله بشكل أساسي حركات إسلامية أبرزها الجماعة الإسلامية التي لها حضورها وانتشارها التنظيمي والاجتماعي في كل المناطق اللبنانية والذي يفوق أحياناً حضور تيار المستقبل، وهي مرشّحة للقيام بهذا الدور وهذا الأداء، غير أنّ الجماعة تتهيّب الإقدام على هذه الخطوة بالنظر إلى تأييدها ثورات الربيع العربي وقلقها من الاستهداف من بعض دول المنطقة وحكوماتها التي رعت وساندت الثورات المضادة، ولذلك فإنّ الجماعة لا تقدّم نفسها على أنّها البديل عن تيار المستقبل في هذه المرحلة، غير أنّها تجهد من أجل إيجاد أوسع إطار تشاوري يجمع المسلمين السُنّة في لبنان أمام التحدّيات المحدقة بهم حالياً.

وأمّا التحدّي الآخر الذي ينتظر سُنّة لبنان فهو الحاجة إلى عمق عربي إسلامي يرعى حضورهم ويشكل رافداً وداعماً لهم في ظلّ تمتّع الأطراف الأخرى الشريكة في الوطن بهذا العمق والرعاية والمتابعة، فالمسيحيون لهم رعاية غربية بشكل عام وأوروبية بشكل خاص، والشيعة لهم رعاية إيرانية مفتوحة، في حين أنّ سُنّة لبنان لا يتمتّعون حالياً بأيّة رعاية عربية أو إسلامية، وهم بحاجة إليها على أبواب الاستحقاقات والتحدّيات المنتظرة، وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة أن يكونوا منفتحين على كل العمق العربي والإسلامي من دون عوائق أو مواقف مسبقة أو مراعاة لخواطر معيّنة.

هذه أبرز التحدّيات التي تنتظر المسلمين السُنّة في لبنان في المرحلة المقبلة، وهي يمكن أن تكون فرصة لتجديد القيادات السُنّية وإعادة تقييم المرحلة الماضية، حتى لا تستمر حالة الانحدار التي يمكن أن تتحوّل إلى مأساة جديدة تضاف إلى مآسي إخوانهم في دول الجوار العربي التي ما زالت تنزف إلى اليوم.