د.
محمد موسى
التضخم
يجتاح كل شي برغم ما قيل وما سيقال وحالة الاقتصاد العالمي لا تدعوا الا الى القلق
في زمن التشدد المالي الظاهر أحيانا" والمقنع أحيانا أخرى، فالقاطرة الاقتصادية
العالمية متأرجحة ما بين التضخم والركود وفي الامرين امراض. وعليه يغدو التضخم ضرائب
مقنعة تفرضها الدولة بحكم ظروفها الاقتصادية وعدم مرونة اقتصادها وماليتها لمجاراة
الظروف الاقتصادية المتلاحقة وكأني بالدول تسرق من جيوب مواطنيها بطريقة فنية مبتكرة
ودون ازعاجها بضرائب الغليظة فالضريبة جاورت التضخم ممزوجة بأسعار السلع التي تسحب
الأموال من يدي الناس اللذين باتوا في كثير من الدول ظهرهم للحائط للأسف. وعليه فأن
كل تقديرات خبراء ومؤسسات اقتصادية دولية تقول إنه لا بشائر طيبة يحملها العام
2023 للحالمين بتحسن اقتصادي عالمي، وتتوقع أن يكون هذا العام أصعب من سابقه، سواء
لأصحاب الأعمال أو للناس العاديين الطامحين فقط إلى سد احتياجاتهم الأساسية. ويعرف
التضخم بانه معدل الزيادة في الأسعار خلال فترة زمنية معينة، وعادة ما يكون التضخم
مقياسًا واسعًا، مثل الزيادة الإجمالية في الأسعار أو الزيادة في تكلفة المعيشة في
بلد ما. ولكن يمكن أيضًا حسابها بشكل أضيق، بالنسبة لسلع معينة، مثل الطعام، أو للخدمات.
لقد
غدا التضخم الطريقة الأمثل لسرقة أموال الناس وفي كل العالم عبر الاستحواذ على مدخرات
الناس نتيجة فقدانها قوتها الشرائية وتاليا" هذا الفرق في القوة الشرائية لابد
له من طريق وعلى ما يبدو طريقه لدعم الحكومات التي ما زالت تستخدم كل الطرق المالية
والنقدية لمزيد من ضخ الأموال وفي المحصلة المواطن العالمي يدفع الثمن. وقد ارتفعت
معدلات التضخم بشكل ملحوظ على مستوى العالم منذ عام 2021، ولكن استمرار توقعات التضخم
المرتفع في الاعوام المقبلة يضع حياة الأفراد اليومية والشركات محل ضغوط مستمرة، وعلى
الرغم من أن أسباب تفاقم التضخم واضحة، فإن آفاق الظاهرة ومدى استمرارها في اقتصادات
الدول محل خلاف وعدم يقين، وهو ما يضع مسار الاقتصاد العالمي خلال العام الجديد
2023 محل تساؤلات، بحسب ما يراه صندوق النقد الدولي. لقد مضى وحش التضخم القاتل يضرب
القطاعات بكل مكوناتها من الغذاء الى النقل والملابس والاتصالات وغيرها ضاربا"
الحياة اليومية بكل تفاصيلها. ومن المثير للدهشة أن تشتت الأسعار أو مدى تباينها عبر
القطاعات لا يزال محدودا نسبيا حتى الآن بمعايير التاريخ الحديث، وخاصة إذا ما قورنت
بالأزمات المالية العالمية السابقة.
وعليه
سيظل التضخم مرتفعا لفترات أطول وستبقى العوامل المساهمة متلازمة وقد تشمل الارتفاع
الكبير في تكاليف المساكن ونقص الإمدادات لفترة مطولة في الاقتصادات المتقدمة والنامية،
أو ضغوط أسعار الغذاء وانخفاض أسعار العملات في الأسواق الصاعدة الممزوج بأسعار القائدة
وسياسات التشدد المالي التي لابد منها على ما يبدو. وللتذكير وبالنظر إلى التاريخ فإن
مكافحة التضخم قد تستغرق بضع سنوات، فعلى سبيل المثال تمكنت إيطاليا من خفض التضخم
من 22% في عام 1980 إلى 4% في عام 1986.وفي حال اتبعت معدلات التضخم العالمية التي
تراوحت حول 9.8% في عام 2022 هذا المسار، فإن الأمر سيستغرق حتى عام 2025 وربما اكثر على حتى وصول مستويات التضخم إلى 2% خاصة اذا ما استمرت
الازمات المفتوحة عالميا" بالتصعيد و عليه طالما الاقتصاد الصيني لم يتعافى تماما"
من جائحة كورونا وطالما الاقتصاد الأميركي يكابد تحت وطئه سيف سقوف الديون حيث بلغت
ديون الولايات المتحدة 31.4 تريليون والحبل على الجرار و لا زال الرئيس بايدن يطالب
بالمزيد من الانفاق حيث الكباش بينه وبين الجمهوريين ولا احد يجزم كيف تنتهي الازمة
ولكن الجميع يدرك انعكاساتها القاتلة على الاقتصاد الأكبر عالميا" ومنه الى كل
اقتصادات العالم و طالما دول المنطقة الأوروبية
لا تزال واقعة" تحت ضغوطات الحرب الروسية
– الأوكرانية بكل انعكاساتها الطاقوية التي
كلفت أوروبا تريليون دولار في عام من الحرب والتي ترجمت في حياة المواطن الأوربي الذي
نرى مشاهد مظاهرته في اكثر من دولة اوربية والتي ربما تتزايد في قادم الأيام مصحوبة
بتوسع شبح الحرب لاسيما بعد قرارات الناتو الأخيرة بتزيد أوكرانيا بالسلاح النوعي المترافق
مع صعوبات في الاقتصاد الروسي الذي يرد بلهجة تصعيدية لا تقل عن تحدي الناتو ،اما الاقتصاد
البريطاني فهو ليس بمنأى عن حالات الركود والتضخم المتزامنين في آن. وعليه ربما يكون
عنوان العام المقبل هو التضخم الذي سيكون الفيصل الاقتصادي العالمي الذي يكون اما مفتاح
الحلول السياسية وسبب للجلوس على طاولة الحوار العالمية او تفاقم الازمات المفتوحة
الى حدود التغيرات الجيو –سياسية والأمنية (الحربية) في العالم، و للمفارقة المنطقة
العربية ليست ببعيدة عن تلكم السيناريوات المفتوحة على جملة تغيرات عميقة عبر القالب
الاقتصادي.