وائل نجم – كاتب وباحث
تشكل مناسبة الإنتخابات
النيابية في لبنان مطلع أيار المقبل فرصة للقوى السياسية لإثبات حضورها في الساحة السياسية
اللبنانية، ودورها في ريادة وقيادة هذه الساحة، والمساهمة في صناعة القرارات على المستوى
الوطني، سواء من خلال الأداء في المجلس النيابي تشريعاً ورقابة، أو من خلال المشاركة
في الحكومة عبر تنفيذ المشاريع وقيادة سفينة الوطن إلى بر المصالح العامة لكل المواطنين.
التيار الإسلامي في لبنان، على تعدد مدارسه الفكرية والفقهية
اعتنى منذ وقت مبكر بالانتخابات النيابية، وحرص على دخول الندوة النيابية منذ مطلع
سبعينيات القرن العشرين. وقد كانت هناك تجارب جيدة خلال فترة تسعينيات القرن العشرين،
وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين. وذلك إيماناً منه بأن الإصلاح والتغيير يمكن أن يكون
من خلال المؤسسات، والحدّ من كل ما يمكن أن يشكل ضرراً على المواطن يمكن أن يكون أكثر
فعالية من خلال مواقع القرار منه خارج هذه المواقع. لذا حرص سابقاً، ويبدي حرصه اليوم
على أن يكون جزءاً من القوى التي تتقدّم للمنافسة على حجز مقاعد نيابية توضع لاحقاً
في خدمة الناس.
إلا أن هذا التيار، ولا أعني جهة واحدة فيه، تعرّض في فترات
سابقة لمحاولات حصار وتضييق، إن من خلال قوانين الانتخاب التي كانت تُعتمد، والجميع
يدرك أن قانون الانتخاب يكاد يكون أكثر من نصف الطريق إلى المقعد النيابي. وإن من خلال
اللوائح التي كانت تُشكّل من قبل جهات سياسية نافذة يُمنع أصحابها في كثير من الأحيان
من ضمّ مرشحين إسلاميين إليها. ولعلّ العودة إلى تواريخ الدورات الإنتخابية التي جرت
بعد انتهاء الحرب الأهلية المشؤومة، يدلّل بشكل واضح كيف تمّ التضييق على التيار الاسلامي
بشكل عام، خاصة بعد فوزه المباغت والمفاجىء في انتخابات العام 1992.
اليوم هناك محاولات حثيثة تجري بعيداً عن الأضواء لمحاصرة
التيار الإسلامي بكل تلاوينه، وصولاً إلى إظهاره في الساحة اللبنانية كقوة متواضعة
وبسيطة، وأكثر من ذلك الاستئثار بأصوات ناخبيه، وتجييرها لصالح قوى سياسية أخرى، ليس
لها أدنى علاقة بتطلعات الشرائح التي يمثّلها الإسلاميون. في حين أن القانون الإنتخابي
الجديد ( النسبية مع الصوت التفضيلي) على علّاته، يبقى أفضل من القانون السابق (الأكثري)،
ويعطي فرصة حقيقة لهذا التيار لرفض محاولات حصاره من ناحية، وإثبات حضوره ودوره في
الساحة اللبنانية من ناحية ثانية.
التحدّي اليوم هو أمام مكوّنات التيار الإسلامي جميعها دون
استثناء. محاولات الحصار والتضييق لا تستهدف طرفاً في هذا التيار دون غيره. ومحاولات
الإستغلال تطال الجميع دون استثناء، بنسب متفاوتة. وما يجمع مكوّنات هذا التيار العريض،
أكثر بكثير من نقاط التباين التي يمكن أن تتشكّل بينها. والتطلعات التي تنشدها هذه
المكوّنات في بلد كلبنان تكاد تكون واحدة. وبالتالي فإنه ليس هناك من عائق، أو عذر،
يمنع هذا التيار من تجميع نفسه وناخبيه، ورصّ صفّه خلف مجموعة من مرشّحيه، ومن ثم إفشال
كل محاولات عزله وحصاره والتضييق عليه، بل إضافة إلى ذلك، إثبات حضوره ودوره في الشراكة
بريادة الساحتين الإسلامية والوطنية، وتقديم نموذج جديد من الأداء المتميّز في خدمة
المواطنين على اختلاف توجهاتهم ومناطقهم.
التيار الإسلامي اليوم في لبنان أمام تحدّ من ناحية، وفرصة
من ناحية أخرى. فإما أن يثبت دوره وحضوره، وبالتالي يستعصي على الحصار والإقصاء والتهميش،
ويتحوّل إلى شريك كامل في قيادة وريادة الساحة. وإما أن ينقسم على نفسه، ويرتضي حالتي
الإستضعاف، والإستغلال، وبالتالي يظلّ أداة عند كثير من السياسيين، في حين أن مواطنيه
وناخبيه ينتظرون منه الكثير.
التيار الإسلامي أمام مسؤولية في هذه المرحلة التي يشعر فيها
أهله بالإحباط والضعف. مسؤولية إعطاء الأمل من ناحية، ووضع الرجل على سكة استعادة الدور
المفقود من ناحية ثانية، فإما أن يكون جديراً بذلك، وإما على الدور السلام.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".