وائل نجم - كاتب وباحث
بداية،
الحرب هي الحرب، بما تتضمّنه من قتل ودمار وتشريد وتهجير وأعمال سلبية وغير ذلك. والإنسان
بطبعه يميل إلى الدعة، والإستقرار، ويؤثر السلامة والطمأنينة على غيرها، ولا يلجأ،
في العادة، إلى الحرب إلا مُرغماً، أو عن طمع وحسد وحبّ للسيطرة والإستئثار، وبالتالي
فهي بالنسبة للسواد الأعظم من الناس تُعدّ عملاً سلبياً، ولكن مع ذلك قد يلجأ الإنسان
إليها في بعض الأوقات، وربما قد يكون فيها، على سلبيتها وبشاعتها في أغلب الأحيان،
مصالح وخير للناس.
وعندما
نتحدث عن الحرب ونطلق عليها وصف النظيفة، فإن ذلك يعود إلى نسبتها إلى غيرها من الحروب،
وليس كفعل مجرد. فالحروب تتفاوت في بشاعتها، وحجم العنف المُستخدم فيها، ونتائجها الكارثية،
ومن هنا نبدأ في إطلاق الأوصاف على الحروب فنقول: هذه حرب ترقى في بشاعتها إلى حدود
الجرائم التي تُرتكب بحق الإنسانية، وتلك حرب نظيفة، على الرغم من استخدام القوة فيها،
وعلى الرغم من سقوط قتلى، أو حصول دمار، أو ما سوى ذلك، إلا أنها تكون في نتائجها في
مصلحة أكبر قدر وحجم ممكن من المجتمع، وتكون في وسائلها وأساليبها بعيدة عن إلحاق الأذى،
إلا بقلّة قليلة من الذين استخدموها وانخرطوا فيها لإلحاق الأذى بالآخرين.
في
الحروب التي تجري على الأراضي السورية اليوم، نوعان من الحروب. حروب همجية تُستعمل
فيها القوّة الغاشمة، على ما قال أحدهم ذات يوم. وحرب نظيفة حققت النتائج التي أُطلقت
من أجلها من دون أن تكون عشوائية غاشمة تصيب بشظاياها وأدواتها من انخرط فيها ومن لم
ينخرط.
في
حرب النظام السوري، وروسيا على فصائل المعارضة السورية المتواجدة في غوطة دمشق الشرقية،
والتي بدأت بشكل جنوني أسقط مئات الشهداء من المدنيين والأطفال، واستهدفت المباني السكنية
والأسواق والمشافي والمدارس والبنية التحتية على مدى شهرين متواصلين تقريباً، وبعد
حصار دام قرابة ست سنوات، جاءت نتائج هذه الحرب كارثية، ودفع ثمنها بشكل أساسي المدنيون،
تهجيراً قسرياً من منازلهم ومدنهم، بعد تدمير بيوتهم، وبعد استخدام كافة أنواع الأسلحة
المتطورة على أجساد الأطفال، بما في ذلك المحرّمة دولياً، من أمثال الأسلحة الكيماوية،
والغاز السام، وقنابل النابالم والعنقودية. هذه الحرب تمثّل، ليس فقط أفضع أنواع القذارة
و"الوساخة"، بل ترقى بدون أدنى شك إلى مستوى الجرائم بحق الإنسانية، التي
يجب أن يُحاكَم ويُحاسَب مرتكبوها. ولكن للأسف، المجتمع الدولي، ومجلس الأمن، أغفل
عينيه، بإرادته وتواطئه، أو بغير إرادته وعجزه عن وقف هذه الحرب المجنونة القذرة.
وفي
الوقت الذي كانت تجري فيه الحرب في الغوطة، شنّ الجيش السوري الحر مدعوماً من الجيش
التركي حرباً لطرد مسلحي حزب الإتحاد الديمقراطي من منطقة "عفرين" في شمال
سورية ضمن عملية أطلق عليها إسم "غصن الزيتون". وقد مرّ على هذه العملية
أكثر شهرين، هي المدّة ذاتها التي مرّت على حرب روسيا والنظام السوري على غوطة دمشق.
إلا أنه يمكن القول، بكل تجرّد، إن هذه الحرب التي نتج عنها طرد المسلحين من مدينة
عفرين ومحيطها يوم الأحد (18/3/2018) كانت حرباً نظيفة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
على
مدى شهرين من عملية "غصن الزيتون" تقريباً لم نسمع أن الجيش السوري الحر
والجيش التركي قصفا مشافي، أو مدارس، أو أحياء سكنية، أو استعملا القوة الغاشمة لطرد
مسلحي الحزب من المنطقة. جرت العملية بكل كفاءة واقتدار، وتخطيط عال، وتنفيذ أخذ وقتاً
كافياً من أجل تجنيب المدنيين أي أثمان لا علاقة لهم بها. حتى المعلومات والإشاعات
التي بثّها خصوم الجيش السوري الحر والجيش التركي عن قصف مشافٍ أو مدارس أو أحياء سكنية
تمّ دحضها بالصوت والصورة، فضلاً عن أننا لم نشاهد أرتالاً من المدنيين يهجرون بيوتهم،
ولا دماراً واسعاً في المدينة. ومع ذلك للأسف، فإن المجتمع الدولي الذي يتغنّى بالمثالية
وحقوق الإنسان والحيادية، صوّب في أكثر من مرّة، من خلال مواقفه وإعلامه، على عملية
"غصن الزيتون"، وعلى الجيشين السوري الحر والتركي اللذين يخوضانها، ليس لأن
هذا المجتمع يريد الإنسان وحقوقه، ولكن لأن مصالحه هي في عدم تمكين الشعب السوري من
امتلاك قراره، والتمكّن من قدراته وإدارتها باقتدار.
بين
الحرب النظيفة والحرب المجنونة قيمٌ تتحكّم وتحكم أصحاب القرارات في تلك الحروب، ففيما تعلو قيم الذين يخوضون الحرب النظيفة
لسيادة منطق الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان الفعلية، تنكشف وتنكسف قيم الذين
ليس لهم همّ سوى الإستئثار والإستبداد وتحقيق المصالح الخاصة الضيقة والفئوية حتى لو كان ذلك على حساب القيم وكل ما
يمت بصلة إلى كرامة وحقوق الإنسان في الحياة.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا
تعبّر عن "آفاق نيوز".