وائل نجم - كاتب وباحث
قبل
أن تنتهي المواجهات والمعارك في جرود بلدة عرسال بين مقاتلي «حزب الله» من جهة ومقاتلي
«جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً) من ناحية ثانية، وقبل أن تستقر الأوضاع على شكل نهائي،
كان رئيس الحكومة سعد الحريري يعقد اجتماعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت
الأبيض، حاملاً إليه وإلى مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة مطلباً لإنقاذ لبنان
ومنعه من السقوط والانيهار من ناحية، ومن الانزلاق نحو الفوضى من ناحية ثانية، ومن
أن يتحوّل إلى مجرد ساحة تُستغل من قبل القوى الإقليمية التي تملك القدرة على ذلك فيقع
تحت هيمنة جديدة تشبه – بحسب بعض القوى السياسية اللبنانية – الهيمنة التي كان يفرضها
النظام السوري في وقت ما على لبنان.
مما
لا شكّ فيه حتى الساعة، أن الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من المشاكل التي تعانيها
داخلياً بين المؤسسات المسؤولة عن صناعة القرار الأمريكي، أو حتى داخل إدارة ترامب
ذاتها (إقالة وزير العدل وحديث عن استقالة وزير الخارجية على خلفية خلافات)، أو تلك
التحدّيات التي تواجهها خارجياً في منطقة الشرق الأوسط أو في بحر الصين أو في شرق أوروبا
أو في أي مكان من العالم، على الرغم من كل ذلك تبقى الولايات المتحدة الأمريكية اللاعب
الأول والأكثر تأثيراً، إن لم يكن الأوحد على المسرح الدولي، وبالتالي فإن دورها غالباً
يكون مؤثراً سلباً أو إيجاباً في دعم الاستقرار أو الفوضى في أكثر من بلد في العالم، وانطلاقاً من هذه القدرة على التأثير
رأى رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أن بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية وهي
العائدة بقوة إلى الشرق الأوسط، التأثير في لبنان لناحية إنقاذه مما هو فيه، ودعمه
لناحية تعزيز الاستقرارين السياسي والأمني، وذلك عبر دعم مؤسسات الدولة والجيش والاجهزة
الأمنية، وعبر تفعيل دور المؤسسات من خلال دعمها حتى لا تكون تحت هيمنة أي طرف داخلي
أو خارجي، ودعم الاقتصاد حتى لا ينهار البلد ويدخل في الفوضى والفلتان الذي قد يطيح
كل شيء، ولأجل ذلك حمل الرئس سعد الحريري إلى واشنطن مجموعة ملفات أساسية اعتبر أنها
تخدم لبنان وتنقذه من الحالة التي هو فيها.
لقد
حمل الحريري ملف دعم الجيش اللبناني بالقدرات اللازمة لحماية الاستقرار والمؤسسات والدفاع
عن الحدود في الخارج والداخل، خاصة أن تيار الحريري يعتبر أن وجود قوة مسلحة ومدربة
وممولة في الداخل اللبناني تستطيع أن تتجاوز قرار الدولة وسيادتها في أي وقت يقلّص
الثقة بالدولة ويفتح الباب أمام مزيد من إمكانية الانزلاق نحو الفوضى، وقد تابعنا بيان
كتلة المستقبل وقد أبدى مجموعة ملاحظات واعتراضات على قيام «حزب الله» بشكل منفرد بعملية
عسكرية في جرود بلدة عرسال البقاعية. لكن الكتلة والحريري الذي يريد إنقاذ الموقف حريص
على عدم الانزلاق بالبلد إلى المواجهة، وبالتالي راح يبحث عن دعم للجيش اللبناني في
واشنطن علّ المساعدة الأمريكية تمكّن الجيش من التصدّي لكل مخططات «الارهاب» من ناحية،
ولكل مخططات السيطرة والهيمنة على الدولة من ناحية ثانية.
كذلك
حمل الحريري إلى واشنطن ملفي اللاجئين السوريين والعقوبات على «حزب الله». الحريري
لم يطالب في الولايات المتحدة بعدم فرض عقوبات على الحزب، بل طالب بأن لا تشمل هذه
العقوبات اللبنانيين، لأن ذلك يجعل كل البلد يتأثر بها، وهذا ما جعل الحزب يمتعض من زيارة الحريري ويترك للوسائل الاعلامية
التي يمون عليها تشنّ حملة قوية على موقف الحريري وتيار المستقبل من حملة الحزب العسكرية
على جرود عرسال، وصولاً إلى حدود التخوين والاتهام بالعمالة، وقد أراد الحزب من توقيت
الحملة بالتزامن مع زيارة الحريري إلى واشنطن ليقول : «الأمر لي في لبنان»!!
لا
شكّ في أن الهدوء الذي يشهده لبنان في غمرة النيران المشتعلة في المنطقة يعود في أسبابه
إلى قرار إقليمي دولي حتى لا يتحوّل ملف اللاجئين إلى لبنان إلى عبء دولي في حال انهيار
الاستقرار، لأن اللاجئين عندها سيضطرون إلى الهروب مرة ثانية من لبنان من جحيم الحرب
لا سمح الله. لذا فإن الهدوء القائم هو هدوء بقرار، وبالتالي فإن زيارة الحريري لواشنطن
تأتي من أجل تعزيز الاستقرار والأمن على كافة المستويات، ولكن حيث إن المسألة هي مسألة
تتعلق بمصير المنطقة بشكل عام، فإن القرار بالنسبة إلى إنقاذ لبنان من الحالة التي
هو فيها ليس قراراً أمريكياً بشكل صرف، ولا حتى إقليمياً، بل تتداخل فيه المعطيات والمصالح،
وبالتالي فإنه سيظل خاضعاً للابتزاز من هذا الطرف أو ذاك، وعليه فإن الأمور ستظل بين
حالتي المد والجزر بانتظار جلاء صورة الوضع في المنطقة بشكل عام، وقد تابعنا كيف أن
الرئيس ترامب فاجأ الحريري عندما شدّد على الموقف الذي يعتبر حزب الله أحد أبرز الاطراف
المسؤولة عن الأزمة في لبنان، طالباً من الحريري أن يكون لبنان في خط المواجهة الأول.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر
عن "آفاق نيوز".