د. وائل نجم.
عشرة أعوام بالتمام والكمال مضت على انطلاق ما اصطُلح
على تسميته "الربيع العربي"، أو ما سمّاه البعض، وأنا منهم، "ثورة الشعوب
العربية"، وسمّاه البعض الآخر انتفاضة، والبعض الثالث حراك. هو بالتأكيد كان واحداً
من هذه التسميات، لكنّه بكل تأكيد لم يكن ما زعمه البعض من أنّه مؤامرة كونية أو عالمية
على أنظمة مستبدة فاجرة. كان ذاك الزعم والإدعاء إسهاماً كاملاً بالشراكة الكاملة والحقيقية
في "الثورات المضادة" التي قادتها أنظمة كانت تخشى وصول الموجات الثورية
الشعبية إليها. وكان زعماً مشبعاً بالخوف من تحرّر الشعوب العربية، ولا يقلّ في قلقه
عن قلق تلك الأنظمة المستبدة، وقد اتخذ من تدخّل القوى الدولية في تغيير مسار هذا الربيع
عنواناً للزعم والإدعاء أنّه من صناعتها، وأنّه حرب كونية على أنظمة فرضت حالة الطوارىء
ومارست أبشع أنواع الاستبداد بحق شعوبها تحت عنوان الخطر القادم من المشاريع الدولية
والخارجية التي تتهدّد الأمة.
عشرة أعوام بالتمام والكمال مضت والربيع لم يزهر
بعد، وإن كانت بعض أزهاره تفتحت لحين من الزمن، ثمّ سرعان ما هبّت عليها عاصفة هوجاء
ما تزال إلى الحين تعمل بكل ما أوتيت من قوة للقضاء عليها دون جدوى.
الربيع العربي، هذه الثورة الشعبية المجيدة التي
انطلقت واشتعلت قبل عشرة أعوام من دون قرار من أحد كما يزعم البعض، بل بإرادة حرّة
من الشعوب التوّاقة إلى الحرّية، ما زالت ثورة مستمرة، وجذوتها مُتقِدة. لم تُفلح الانقلابات
العسكرية في لجمها أو القضاء عليها أو سحقها على الرغم من الزّج بعشرات آلاف الثوّار
في زنازين السجون، وعلى الرغم من البطش والقوّة الغاشمة التي استخدمت في أكثر من حين
لمواجهة ثوّار سلميين وعزّل لطالما نادوا "سلميتنا أقوى من الرصاص". ولم
تُفلح التدخلات الإقليمية والدولية في إسكاتها على الرغم من حجم التدمير الذي ألحقوه
ببيئة الثوّار وممتلكات الشعوب وحواضرها، وعلى الرغم من الإفراط باستخدام الأسلحة المحرّمة
دولياً، واستقدام شذّاذ الآفاق لقتال الشعوب تحت عناوين طواها التاريخ ولكنها نُبشت
كما نُبشت قبور الثوّار فقط من أجل نفخ الروح المعنوية بأولئك المُسْـتَـقدَمين كي
يثأروا من الماضي. ولم تُفلح محاولات إثارة الفتن الداخلية، ولا الأموال التي أُغْدِقت
على المرتزِقة في أكثر من مكان في ثني الشعوب عن الاستمرار في مسيرة استعادة الحرّية
والكرامة والحقّ المسلوب. ولم تُفلح محاولات الحصار ولا كل السياسات التي اتُبعت في
إفشال حركة الشعوب أو حتى وقفها. ربما استطاع كل أولئك الذيم انضووا في حرب كونية حقيقية
على الشعوب العربية في تأخير ولادة الربيع، لكنّهم بكل تأكيد لم يستطيعوا الإجهاز عليه،
وقد عاد ما صرفوه من أموال وجهود عليهم حسرات. هي العشريّة الأولى التي يمكن أن نسمّيها
دون تردّد إنّها عشرّية الصمود بوجه كل تلك الجحافل والقوى والإمكانات التي عملت على
خنق الربيع.
بعد عشرة أعوام على انطلاق ربيع الشعوب العربية،
الربيع ما زال حاضراً، وإرادة الشعوب ما زالت متواجدة في كل الميادين تنجز وعد الربيع
يوماً بعد يوم بخطى بطيئة ولكنها ثابتة، وها هي بلدان الربيع العربي، وعلى الرغم من
الجراح التي أصيبت بها جراء "الثوّرات المضادة" بل الحرب الكونية على إرادة
شعوبها، ما زال ربيعها يزهر، وسيزهر. سيزهر في تونس الخضراء، وفي ليبيا، وفي اليمن،
وفي سوريا، وفي مصر، وفي السودان، وفي غيرها من البلدان التي لم تسمح شعوبها حتى اليوم
لتلك الطغمة الحاكمة، ولا لمن يقف خلفها، بالاطمئنان إلى مصيرها، فهي ما زالت تحتل
مواقعها بفعل الدعم المنقطع النظير الذي تتلقاه من المشاريع الطامعة بخيرات البلدان
العربية، وليس بقوّتها الذاتية.
العشريّة الأولى التي مضت استطاع ربيع العرب أن
يصمد فيها ويصنع المعجزات على الرغم من الهجمة الشرسة التى استهدفته من قوى مختلفة
ومتعددة من الشمال والجنوب والشرق والغرب، وهي المرحلة الأصعب والأكثر دقّة وحرجاً،
وقد تخطّاها بصبر وجلد، وفي العشريّة الثانية ستبزغ أزهار الربيع من جديد في كل العواصم
والحواضر العربية لترخي بفيئها على كل مظلوم يتطلّع إلى الحرّية والكرامة وبناء دولة
الإنسان.