بعد انتهاء معركة الانتخابات
البرلمانية العراقية الأخيرة، واكتشاف بعض التنظيمات، وعلى رأسها ميليشيات «الحشد الشعبي»،
أنها غير قادرة على فرض حكومة، لجأت قوى شيعية متضررة من النتائج إلى الانتظام في جسم
عريض سمته «الإطار التنسيقي»، وأعلنت الميليشيات، التي تشكل رأس حربة الرفض لنتائج
الانتخابات، إلى إعلان أن النتائج زورت، وأتبعت ذلك بمجموعة من عمليات الضغط عبر استخدام
جمهورها الحزبي لإطلاق تظاهرات، واللجوء للقضاء لإفشال قرارات الجلسة الأولى للبرلمان،
كما لجأت إلى أكثر ما يعبّر عنها، وهو استهداف مقرّات حزبية وشخصيات تنتمي لتيارات
سياسية كردية وسنّية أبدت استعدادا للدخول في حكومة يشكّلها رجل الدين الشيعي مقتدى
الصدر.
ضمن أساليب «التعبير» عن
مواقفها، لم توفّر ميليشيات «الحشد»، منذ ظهور قوتها العسكرية والسياسية، أحدا، بمن
في ذلك رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي استهدف بمسيّرات، و»المنطقة الخضراء»، التي
توجد فيها مقرّات السلطات العراقية كافة، والتي قصفت بالصواريخ، ومتظاهرو الحراك السلمي
العراقي، والناشطون السياسيون، الذين ووجهوا بالرصاص والاختطاف والاغتيالات.
في إطار عملياتها الأخيرة
المتعلقة بمنع تشكيل حكومة لا تأتمر بأوامرها، قامت الميليشيات باستهداف نائب رئيس
البرلمان شاخوان عبد الله، ومكاتب حركتي «تقدم» و»عزم» السنّيتين، ومقر الحزب الديمقراطي
الكردستاني في بغداد، ومقر لإقامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في الأنبار، مما أسفر
عن سقوط جرحى.
رغم تمويلها من قبل الدولة
العراقية، فمن المعلوم أن هذه الميليشيات تتلقى أيضا تمويلا إيرانيا، ولكونها، مدفوعة
بقوّتها العسكرية وباختراقها لأجهزة الجيش والأمن، قادرة على تحدّي السلطات التنفيذية
(والسخرية منها كما حصل بعد قصف مقر الكاظمي)، فلا عجب أن تصبح زيارات رئيس «فيلق القدس»،
إسماعيل قاآني، السرّية، تتوالى، لمحاولة ضبط سير هذه الميليشيات، التي يمكن أن يشكل
جموحها، وإحساسها بالقوة، عاملين محرجين لإيران نفسها، الحريصة على «ترتيب البيت الشيعي»،
والحفاظ على منظومة الدولة العراقية بدل انفراطها، وترك الأمور تنجرّ إلى فوضى الحرب
الأهلية.
ضمن المواجهة السياسية
بين طهران وواشنطن، لا توفر الميليشيات العراقية مناسبة لإعلان ولائها وانتظامها في
«السيناريو» الإيراني المطلوب منها، وتكشف عن ذلك عبر إبقاء خيط المماحكة العسكرية
مع القوات الأمريكية (أو ما بقي منها في العراق).
تنضاف هذه العلاقة البائسة
بالمحمول الوطنيّ (بما في ذلك العلاقة التي تضمها إلى المشترك الشيعي)، إلى كون معركتها
الشرسة على المقاعد النيابية والوزارية هي، إلى درجة كبيرة، معركة على الامتيازات التي
تؤمنها المقاعد الحكومية، والأفق الذي تفتحه لممارسة فساد كبير، وهو ما يعني أن معركتها
«الوطنية» ليست سوى صراع على الغنيمة.
أما اليافطات السياسية عن «مقاومة» الاحتلال (التي هزأ منها
مقتدى الصدر بتسمية أصحابها «مدعي المقاومة»)، ومناهضة إسرائيل والتطبيع (التي صارت
تستخدم ضد القوى السنيّة بعد انتهاء مفعول اتهامها بالإرهاب والبعث)، فهي مساحيق زينة
لا يمكن أن تخفي الأسباب الحقيقية لأغراض هذه الميليشيات، التي تعتقد أنها تستطيع فرض
ما تريد بالصواريخ حين تخسر في «لعبة» الانتخابات.
المصدر: القدس العربي.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر
عن "آفاق نيوز".