محمّد أبو رمّان
من الواضح أنّنا أمام طريق باتجاهٍ واحد، بعد عملية
اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، وستكون صدمة كبيرة أن تنجح
الجهود الديبلوماسية في "احتواء" التداعيات المتوقعة، سيما بعد التصعيد
الخطابي من كل قادة إيران، بداية من المرشد وصولاً إلى قائد الحرس الثوري، مع
الحديث عن "انتقام كبير"، بالإضافة إلى أمين عام حزب الله، حسن نصر
الله، وحديثه الواضح عن الانتقال إلى مرحلة المعركة المفتوحة من "مرحلة ساحات
الإسناد".
الكرة اليوم في ملعب إيران وحلفائها كيف ستردّ وما هو
حجم الرد، ومستواه ومداه، وعندما يتم تعريف ما حدث بأنّه قضية كرامة وشرف بالنسبة
لإيران (وهي كذلك)، فإنّ تصوّر أنّ الرد سيكون في مستوى الحدث، والسؤال إلى أيّ
مدىً، فعلاً، تمتلك إيران القدرة على تحطيم أسطورة "القبّة الحديدية"
والردع الجوي الإسرائيلي، لأنّ من المؤكّد أنّ الرد القادم لن يكون كما حدث في
إبريل/ نيسان الماضي (عندما أًرسلت مسيّرات إيرانية لغاية استعراض القوة العسكرية
فقط)، بل من المفترض أن يكون مؤلماً، وهو التحدّي الحقيقي أمام أي سيناريو يعدّ
اليوم (كما أُعلن) في طهران للرد على ما ارتكبته إسرائيل.
في الأثناء، صدرت تصريحات مفاجئة وغير تقليدية عن
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالتلميح إلى دور عسكري ما تركي ضد إسرائيل، وإنْ
يعدّ مثل هذا السيناريو ضمن المعطيات الحالية فانتازياً، لكن هنالك أبعادا سيميائية
ليست خافية في السجال الإقليمي الرمزي والسياسي والعسكري في الوقت نفسه.
السؤال البديهي، في ضوء هذه التطورات: ما هو وضع
الحالة الرسمية العربية، بخاصة "الفضاء الاستراتيجي السني"؟ والسُني هنا
ليس بالمعنى الطائفي، بل الجيو بوليتيكي؛ فمن يتحرّك ويفرض وجوده قوة إقليمية، لها
امتداداتها في كل من العراق وسورية ولبنان وسورية وليبيا هي إيران، ومن يتبادل
الوعيد والتهديد عن بعد هي تركيا (وهي قوة إسلامية - سنيّة وليست عربية)، بينما
الدول العربية القُطرية التي كانت لفترة طويلة تتسيّد الموقف في تقرير مصير
المنطقة وفي السجال العسكري والدبلوماسي مع إسرائيل تكاد تكون (هذه الدول) بمثابة
جغرافيا صمّاء، لا حسّ ولا خبر، لا قيمة استراتيجية أو عسكرية أو حتى رمزية!
لا نريد أن نعود إلى السجال الذي مهّد وتزامن مع توقيع
الاتفاقيات الإبراهيمة عمّا إذا كانت فلسطين ما تزال القضية المركزية للأمة
العربية أم أنّ ذلك الزمن ولّى عهده، أو التساؤل عما إذا كان الخطر الإيراني أكبر
أم الإسرائيلي؛ وهو موقفٌ لنخب سياسية رسمية وقريبة منها في عديد من دول الخليج
العربي، لكن حتى الدول المركزية التي كانت تمثّل القوى المركزية في النظام الرسمي
العربي هي اليوم في مرحلة انعدام الوزن، فمن يتحدّث باسم العراق المقاومة العراقية
(جزء من الحلف الإيراني)، ولبنان (حزب الله) والنظام السوري الحليف لهم، بلا أي
صوت في التطورات الراهنة، بينما دول المغرب العربي جميعاً خارج المعادلة بالكلية!
هل هذه الحالة طبيعية أو ممكن لها الاستمرار؟ وأقصد
بالحالة أولاً على الصعيد الإقليمي للدول العربية التي وصلت إلى مرحلة كارثية من
فقدان اي قدرةٍ على الفعل داخل فضائها الاستراتيجي؛ أو حتى على الصعيد الداخلي؛
بمعنى: ما هو موقف الشعوب من حكوماتها، وهي تراها بهذا المستوى من العجز والضعف وفقدان
الوزن؛ بينما تُصرَف المليارات من الأموال من جيوب الشعوب العربية على
"العسكرة" والجيوش والتسليح؟!
ما يحدُث اليوم من تداعيات طوفان الأقصى يرسم مرحلة
جديدة بالكلية مختلفة تماماً لمستقبل المنطقة، وحجم الهزّات الارتدادية والبراكين
التي ستتفجّز في المرحلة المقبلة سيكون كبيراً جداً، وربما هذا يعيدنا إلى النظرية
التي جاء عليها كاتب هذه السطور (في مقالات عديدة في "العربي الجديد")،
وهي أنّ مرحلة الربيع العربي (في العام 2011) ضمن سياقاتها التي أدّت إليها
والسياقات التي تلتها لم تنته، بل ما حدث كان البداية وحالة عدم الاستقرار سترسم
معالم المرحلة المقبلة بصورة كبيرة.
المصدر : العربي الجديد
الآراء الواردة في المقال
تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".