القمّة العربية الإسلامية المشتركة .. نتائج دون طموحات الشعوب
تشرين الثاني 15, 2023

د. وائل نجم

انعقدت يوم السبت الواقع في الحادي عشر من تشرين الثاني / نوفمبر الجاري القمّة العربية الإسلامية المشتركة في مدينة الرياض السعودية بمشاركة سبع وخمسين دولة عربية وإسلامية وذلك لمناقشة وبحث العدوان الإسرائيلي الصهيوني على قطاع غزة والمدنيين الفلسطينيين فيه. وقد أتت هذه القمّة بعد مرور أكثر من شهر على بدء العدوان، وبعد تجاوز أعداد الشهداء من الأطفال والنساء والمدنيين أكثر من عشرة آلاف شهيد، وبعد تدمير مساحات واسعة من المناطق المعمورة بالقطاع، وبعد مجازر موصوفة ولا تحتاج إلى دليل ومن ذلك قطع المياه ومنع إدخال الوقود وقطع الكهرباء حتى عن المشافي التي تقوم بمعالجة المرضى والمصابين وفرض الحصار الشامل وقطع الاتصالات، واستهداف المشافي ودور العبادة والمدارس والمساكن والأبراج والحجر والشجر والبشر وكل شيء في القطاع حتى أنّ الرأي العام الغربي الذي كان في الأسبوع الأول للعدوان منساقاً ومصدّقاً للرواية الإسرائيلية التي زعمت أنّ المقاومة الفلسطينية ارتكبت فضاعات بحق الإسرائيليين، عاد وعرف الحقيقة وبدأ يضغط بشكل كبير على حكومات بلاده لوقف العدوان وتجريم الإبادة الجماعية وفك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في القطاع وهو أيضاً ما طالب به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

لقد جاء انعقاد القمّة متأخراً كثيراً قياساً بهذه الإبادة الجماعية التي تجري بحق الشعب الفلسطيني، ولكنّ العرب والمسلمين على متسوى العالم وربما الشعب الفلسطيني أيضاً علّقوا بعض الآمال عليها علّها تفك الحصار وتنهي العدوان وتتخذ قرارات تعيد الاعتبار لهذه الأمة المترامية الانتشار، وتُوقف هذه الجريمة البشعة بحقّ الأطفال الفلسطينيين في غزة وحتى في الضفة وكلّ المناطق الفلسطينية. لقد كانت طموحات الشعوب العربية والإسلامية كبيرة وعالية جداً وهم يرون أنفسهم أمّة المليار ونصف، ويعرفون أنّ بلادهم تختزن في داخلها من المقدرات العظيمة والكبيرة ومن بينها النفط والغاز التي يحتاجها العالم ولا يمكنه الاستغناءعنها، والتي فيما لو تمّ التلويح مجرد التلويح باستخدامها كسلاح لوقف هذا الغطاء الغربي المجرم للجريمة الإسرائيلية لانصاعت تلك الحكومات الغربية المجرمة وتدخّلت وفرضت وقف إطلاق النار، ولتمّ إنقاذ الطفولة البريئة في غزة. العرب والمسلمون في العالم يعرفون أنّ أمّتهم تمتلك جيوشاً جراراة على مستوى العدد والعتاد والقوّة وبإمكانها أن تزيل هذا الكيان الغاصب من أرض القداسة فلسطين. يعرفون أنّ مجرد الموقع الجغرافي الذي تتمتّع به بلادهم كفيل بسدّ كل طرق التجارة الدولية على كلّ الدول والقوى المتربّصة بالعرب والمسلمين شرّاً. يعرفون أنّ كلّ الشعوب العربية والإسلامية مستعدّة من غير الجيوش أن تقوم بواجب الدفاع عن فلسطين وأطفال ونساء غزّة فيما لو خلّت الأنظمة والحكومات بينها وبين ذلك، ولكلّ هذا علّقوا الآمال والطموحات على القمّة المشتركة على أساس أنّها ستوقف آلة القتل، فإذا بهذه القمّة تتمخّض في نتئاجها عن "فأر" متواضع لا عن جبل كبير، وبدل أن تفرض إرادتها وقراراتها راحت تناشد وتطلب الحلّ من الدول المشاركة بالعدوان والمؤمّنة له كلّ أسباب الاستمرار بالقتل. لقد ناشدت القمّة فك الحصار عن غزة لإدخال المساعدات الإنسانية، وإحدى أبرز هذه الدول تحاصر غزة ولا تفتح المعبر الذي يتيح للمساعدات الدخول، وقد تحدّث رئيسها ذات يوم عن الأمن العربي وعن مسافة السكّة وبدا كما لو أنّ مسار السكّة بعيد عن غزة مع أنّه لا يفصل القطاع عن جنود مسافة السكّة سوى أمتار!!

لقد أصدرت القمّة قرارات فارغة من المضمون وبدا كما لو أنّها منحت العدوان إشارة ضوئية خضراء لمواصلة العدوان لاجتثاث غزة وأهلها ومقاومتها. بدا كما لو أنّها أرادت إظهار عجزها أمام جبروت العدوان فلم تلجأ لاتخاذ أي قرار حقيقي يوقف المجزرة. لقد قيل إنّ بعض الدول العربية رفضت مقترحاً تضمّن بضعة بنود تشكّل ضغطاً حقيقياً على العدو الإسرائيلي لوقف عدوانه، ولكنّ الاقتراح سقط لعدم موافقة هذه الدول عليه، إمّا خوفاً من السيّد الأمريكي الذي يرعى العدوان ويوفّر له أسباب الاستمرار بالجريمة والإبادة، وإمّا تآمراً على غزة ومقاومتها بهدف سحق الشعب الفلسطيني والتخلّص من قضيته التي باتت تشكّل بالنسبة لبعض الأنظمة والحكومات عبءاً يريدون التخلّص منه!!

القمّة العربية الإسلامية في نتئاجها لم تكن على مستوى طموحات الشعوب العربية والإسلامية، ولم تشكّل أيّ ضغط حقيقي لوقف آلة القتل الإسرائيلية، وإنّ هذا سيكون له تداعياته لاحقاً بعد أن تتوقف الحرب، وستتوقف، وستحين لحظة محاسبة بعد أن تُحقّق المقاومة الفلسطينية نصرها المنتظر بعد طوفان الأقصى، هذا الطوفان الذي قد يمتدّ إلى حيث تنعدم الكرامة والحسّ بالمسؤولية والتخلّي عن مبدأ الأمّة الواحدة.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".