اللقاء الخماسي واستحقاق انتخاب الرئيس
تموز 20, 2023

د. وائل نجم

قبل بضعة أيام انعقد في الدوحة اللقاء الخماسي الذي ضمّ مجموعة دول هي إضافة إلى قطر : الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة العربية السعودية، مصر، وفرنسا وتركّز البحث خلاله على مساعدة لبنان على تخطّي أزمة انتخاب رئيس جديد بعد مرور قرابة تسعة أشهر على الشغور والفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، وقد شدّد البيان الختامي الذي صدر عن اللقاء على ضرورة إنهاء حالة الفراغ، وانتخاب رئيس بمواصفات تساعد على حلّ الأزمة الاقتصادية والأزمات الأخرى التي يعاني منها لبنان وفي مقدمها أزمة العلاقات مع دول العمق العربي، فضلاً عن ضرورة إجراء إصلاحات إدارية واقتصادية وسياسية تضمن الاستقرار، وشدّد اللقاء أيضاً على الالتزام بالدستور والقانون في مسألة انتخاب رئيس جديد دون الذهاب إلى حوارات ضيّقة أو واسعة قد تفضي إلى تعميق الأزمة أكثر مما يمكن أن تفضي إلى الحلّ، وأشار اللقاء الخماسي إلى إجراءات عقابية يمكن أن يتخذها المشاركون فيه فضلاً عن دول أخرى بحق المعرقلين لانتخاب الرئيس.

والحقيقة أنّها المرّة الأولى التي يتحدث فيها مندوبو هذه الدول بهذه الطريقة والوضوح، ولكنّ السؤال في المقابل، ما هو الضامن أو الشيء الذي يمكن أن يدفع المعرقلين، الذين ظلّوا مجهولين في بيان اللقاء الخماسي، إلى تسهيل عملية الانتخاب وفق الآليات الدستورية؟ وهل أنّ الإجراءات العقابية التي جرى الحديث عنها يمكن أن تحدّ من عرقلتهم؟! أو بالأحرى يمكن أن تدفعهم إلى التراجع؟! ثمّ ألا يمكن أن تصيب أيّة إجراءات عقابية الشعب اللبناني قبل أن تصيب المعرقلين؟! تماماً كما يجري في بعض العقوبات التي صدرت وتصدر من بعض أعضاء هذا اللقاء؟!

للإجابة على هذه الأسئلة لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المعرقلين الذين أشار إليهم بيان اللقاء الخماسي هم وفقاً لما أوحى إليه البيان حزب الله والفريق الذي يقف معه، وهنا تحديداً لا بدّ أن نتذكر أنّ الفريق الذي يقف مع الحزب بشكل أساسي اليوم هو رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأمّا الحليف الآخر للحزب وأقصد التيار الوطني الحر فقد بات في المقلب الآخر يوم "تقاطع" مع الأطراف الآخرى على تسمية ودعم وانتخاب الوزير السابق جهاد أزعور؛ وأمّا النوّاب المنفردين في تحالف الحزب فهم متردّدين في تحالفهم ولهم قنواتهم الخاصة التي تقيهم شرّ الإجراءات العقابية التي يمكن أن تُتخذ من أعضاء اللقاء الخماسي، وعلى هذا الاساس يبقى المستهدف المحتمل في هذه الإجراءات حزب الله وحركة أمل.

بالنسبة لحزب الله فإنّ العقوبات التي صدرت بحقّه من الولايات المتحدة الأمريكية ومن غيرها في وقت سابق لم تؤثّر عليه ولم تدفعه إلى تغيير مواقفه من الكثير من المسائل، ولا أحسب أنّ دول أعضاء اللقاء الخماسي كلّها متفقة أو يمكنها أن تتخذ الإجراءات العقابية ذاتها بحقّ الحزب، وعليه فمن غير المؤمّل أن تغيّر هذه الإجراءات من مواقفه.

وأمّا بالنسبة لحركة أمل ولرئيسها فإنّ الجميع يدرك أنّ أيّة إجراءات عقابية يمكن أن تؤثّر بشكل كبير عليها، ولكنّ ذلك سيجعل جمهورها ينقلب إلى تأييد مواقف الحزب بشكل واسع وهو ما لا يمكنها في ظلّه أن تغيّر موقفها من مسألة الانتخاب، وبالتالي فإنّ الإجراءات بحقّها ستعطي نتائج عكسية. هذا إذا اعتبرنا أنّ المعرقل في نيّة اللقاء الخماسي هو هذا الطرف.

وأمّا إذا كان يعتبر أنّ الأطراف الأخرى في المقلب الآخر هي التي تعرقل الانتخاب، فإنّ أيّة إجراءات عقابية بحقّها بكلّ تأكيد ستكون مؤلمة، ولكنّنا عندها سنكون على يقين أنّ لبنان دخل مرحلة تسوية لحساب طرف على حساب أطراف أخرى، ولا أحسب أنّ ذلك قائم حالياً.

الواضح حتى هذه اللحظة أنّ المراوحة هي سيّدة الموقف، والأزمة ستكون متسمرة، والواقع قد يزداد تعقيداً وصعوبة بانتظار إنجاز تسوية أو صفقة تشمل المنطقة كلّها لأنّه بات من الصعوبة معالجة أزمة في قطر من الأقطار بمعزل عن معالجة بقية الأزمات في الأقطار الأخرى.