جمانة فرحات
الزلازل، الأعاصير، العواصف، ظواهر
طبيعية لطالما شهدها العالم. وإذا كانت تحدُث على فترات متباعدة في السابق، فإن تداعيات
التغيّر المناخي في العالم تفيد بأن وتيرتها تتسارع وتصبح أكثر تطرّفاً بعد تجاهل جميع
التحذيرات على مر العقود الماضية. صحيح أنه لا يمكن التحكم بهذه الظواهر لجهة أضرارها
المادية خصوصاً، لكن تجارب عدّة في العالم تفيد بأن الخسائر البشرية تبقى خاضعة للتحكّم،
ولو جزئياً، فيما لو كانت هناك خطط وقائية واستباقية وتنمية عادلة وحد أدنى من الفساد.
وهي متطلبّات تبقى مفقودة في منطقتنا ليصبح الموت بسبب الإهمال أخطر ما يواجهه المواطن.
تبقى فاجعة ليبيا المثال الأفدح عن
كيف يمكن أن تتحوّل عاصفة معلوم تاريخها إلى كارثة تقضي على الآلاف دفعة واحدة. الأخبار
المتداولة منذ الكارثة التي دمّرت ربع مدينة درنة، وأغرقت أجزاء منها، تقول الكثير
عن سوء التعامل الرسمي مع الأزمة. كيف يمكن تفسير غياب صيانة سد المدينة الرئيسي منذ
أكثر من عقدين، رغم كل ما كان معلوما عن خلل وتصدّعات فيه؟ لماذا لم يتم إجلاء السكان
قبل وقت كاف أو حتى إعداد خطة طوارئ وإرشادات في حال تفاقمت العاصفة؟ جميعها أسئلة
ستبقى بلا أجوبة، مهما قيل عن محاسبات ولجان تحقيق شكّلت أو ستشكّل، لأنه، في النهاية،
يمكن توقّع أن الكل سيحمي بعضه بعضا، لأن المسؤولية عن جريمة الإبادة هذه مشتركة. مَنْ
تسبب في مقتل الآلاف ليس العاصفة وحدها، بل إهمال المسؤولين عن إدارة البلاد ككل وليس
المنطقة وحدها. دفع الليبيون، مرّة جديدة، ثمن الخلافات السياسية وانشغال السياسيين
بحسابات السلطة، لكن الثمن هذه المرّة كان فادحاً جداً ليصبح أقصى طموح العائلات المنكوبة
والتي بقيت على قيد الحياة أن تعثر على جثامين ذويها لدفنها، بعد أن ابتلعتها السيول
وجرفتها إلى البحر أو لا زالت تحت أنقاض المباني التي تهدّمت.
خرج رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد
الحميد الدبيبة ليقول للعالم "لسنا بحاجة إلى طعام أو أدوية، نحتاج إلى معدّات
وفرق بحث وإنقاذ". ما الذي يمنع بلدا بحجم ليبيا، بكل ما يملكه من قدرات مالية،
أن تكون لديه معدّات كهذه أو فرق مدربة. يمكن للسياسيين ومعهم العسكر صرف المليارات
على شراء الولاءات والمناصب والأسلحة، لكن لا يمكنهم دفع الملايين لتجهيز بلادهم لاحتمال
حدوث كارثة.
لا يقلّ الوضع في المغرب سوءاً. أيام
مضت على الزلزال ولم تكن فرق الإنقاذ قد تمكّنت من الوصول إلى مناطق ضربتها الكارثة،
بسبب وعورة بعض الطرق الجبلية. وكم من أرواح كان يمكن إنقاذها لو تم الوصول سريعاً
إلى المتضرّرين؟ وهنا أيضاً لا يحضر فقط سؤال الاستعداد أو الإهمال، بل سؤال التنمية
وتفاوتها في هذا البلد. ولماذا لا تزال هناك مناطق في المغرب لم تُشقّ إلها طرق تمرّ
فيها المركبات، ولا يزال سكانها ينقلون المياه بأنفسهم إلى منازلهم؟ وهل يكفي الحديث
عن طبيعة المنطقة الجبلية الصعبة أو البناء العشوائي وغير المطابق للمواصفات لتبرير
حجم الكارثة وإبعاد المسؤولية عن مؤسسات الدولة؟
ما جرى في ليبيا أو المغرب معرّض لأن
يتكرر في البلدين نفسيهما أو حتى في دول أخرى. لكن تحوّل ظاهرة طبيعية إلى كارثة بحجمٍ
كهذا، فإن المسؤول الأول عنها تبقى السلطات التي لا تتحرّك إلا بعد المصيبة، على غرار
ما جرى في تركيا عقب الزلزال في فبراير/ شباط الماضي. تجاهلت السلطات سنوات الملاحظات
بشأن معايير البناء والمخالفات، ثم عندما وقعت الكارثة وأظهرت كيف تسبّب الفساد في
مضاعفة الخسائر البشرية عندما انهارت أبنية غير مطابقة للمواصفات على رؤوس قاطنيها،
بينما صمدت أخرى في الشارع نفسه، أصدرت عشرات مذكّرات التوقيف لمقاولين بتهم مخالفات
البناء.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن
رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".