صلاح سلام
مرة أخرى يُثبت الرئيس نبيه برّي أنه الأكثر حنكة، والأعمق فهماً، والأوسع
خبرة من بقية المنظومة السياسية، حيث وضعت دعوته النواب لجلسة إنتخاب رئيس للجمهورية
غداً، كل الكتل النيابية والأفرقاء السياسيين أمام مسؤولياتهم الوطنية في تمرير الإستحقاق
الرئاسي في المهلة الدستورية، قبل إنتهاء ولاية العماد ميشال عون في نهاية الشهر المقبل.
دعوة رئيس المجلس لم تأتِ من فراغ، وليست مجرد مناورة عشوائية، بقدر ما
هي خطوة مدروسة بعناية، وتنطوي على عدة أبعاد محلية وخارجية أهمها:
١ـ الحرص على إنهاء مناقشة الموازنة وإقرارها قبل أن يتحول مجلس النواب
إلى هيئة ناخبة، ولا يعود قادراً على الخوض في أية مهمة تشريعية حسب النصوص الدستورية
المرعية الإجراء.
٢ـ توجيه الدعوة في هذا الوقت بالذات، يعني بشكل أو بآخر، عدم جدوى المزيد
من الإنتظار للتوافق بين الرئيسين عون وميقاتي على الصيغة المناسبة للوضع الحكومي،
سواء عبر تعويم الحكومة المستقيلة مع بعض التعديلات في الأسماء والحقائب، أو البحث
في أي مخرج آخر، الأمر الذي يرجّح إمكانية بقاء حكومة تصريف الأعمال إلى حين إنتخاب
رئيس الجمهورية الجديد.
٣ـ إسراع الرئيس بري في الدعوة لجلسة الإنتخاب غداً، يرسم بعداً جدياً
لمضمون البيان الثلاثي الأميركي ــ السعودي ــ الفرنسي، الذي أعطى الأولوية لانتخاب
رئيس الجمهورية، على تأليف الحكومة الجديدة، مما يُشير بوضوح إلى الدعم العربي والدولي
لإجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، وإبعاد لبنان عن تداعيات حصول شغور
في الرئاسة الأولى، تجنباً لتفاقم الأوضاع المتردية أصلاً، ويشكل خطراً على النظام
السياسي، وما تبقَّى من إستقرار في هذا البلد المنكوب.
٤ـ تناغم لقاء النواب السنّة مع دعوة البيان الثلاثي في إجراء الإنتخابات
الرئاسية في موعدها الدستوري يُعطي دفعاً لخطوة برّي في تحديد موعد الجلسة الإنتخابية
الأولى غداً، ويُعبّر عن موقف مكوّن وطني أساسي حريص على صيانة المعادلات الداخلية،
والحفاظ على التوازنات الوطنية، والتمسك ببنود إتفاق الطائف الذي جعل من رئيس الجمهورية
رمز وحدة البلاد، وأناط به مسؤولية صون الدستور الذي يُقسم عليه فور إنتخابه من قبل
نواب الأمة.
٥ـ تحديد موعد الجلسة بسرعة خاطفة بعد يوم من إقرار الموازنة، وضع الكتل
النيابية، الموالية والمعارضة، أمام تحدي التوافق على مرشح توافقي، لعدم قدرة الموالين
والمعارضين على توفير أكثرية الثلثين في الجلسة الأولى، مما سيؤدي إما إلى تطيير النصاب،
أو تأجيل الجلسة التالية، وما قد يليها، إلى مواعيد أخرى، بإنتظار جلاء بعض الغيوم
الخارجية، وبلورة نتائج الإتصالات والمشاورات الداخلية.
المهم أن الرئيس برّي قرع جرس السباق الرئاسي.. وفتح أبواب الإنتخابات
على شتى المفاجآت!
المصدر: اللواء.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق
نيوز".