د. وائل نجم
أيّام قليلة ويهلّ علينا هلال عيد الفطر
المبارك. يهلّ علينا وأحوال أمّتنا صعبة، معقدّة، مستهدفة، تحت الضغط والنار، تنزف
في أكثر من مكان، ولكن غير ميؤوس منها على الإطلاق.
في فلسطين حيث القضية الأساسية والمركزية
للأمة، للمسلمين على امتداد العالم، بل لكلّ إنسان حرّ، يقع الشعب الفلسطيني تحت ضغط
الاحتلال الذي يرتكب بحقّ الفلسطينيين أبشع وأفضع أنواع المجازر والإبادة الجماعية
على مرأى من هذا العالم الذي يُسمّي نفسه حرّاً وينادي بحفظ حقوق الإنسان، ثمّ لا يحرّك
ساكناً لوقف تلك المجازر لأنّها بحقّ شعب مسلم مسالم لا يريد سوى أن يعيش بأرضه بكرامة
وحريّة. ولكن على الرغم من مجازر الاحتلال وصمت العالم فإنّ هذا الشعب بصموده وانتصاراته
وصبره وإلحاقه الهزيمة بالاحتلال ومنْعه من تحقيق أهدافه يعيد الأمل إلى الأمّة كلّها،
يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ النهوض ممكن، والنصر موعود فلا يأس ولا إحباط ولا
تراجع.
في بقية الأقطار العربية التي شهدت
انتفاضات للخروج من حالة الرِقّ والعبودية، من حالة الفساد والاستبداد، من حالة العجز
والتخلّف، وعلى الرغم من إعادة الشعوب إلى مربع العزل بشكل نسبي، وإلى حالة الخوف والقلق،
وإلى حالة الإفقار والتخلّف، وإلى كلّ هذه المعاني التي أرادت أن تعود بالشعوب إلى
مربع الانقياد والإخضاع والسيطرة والتحكّم، غير أنّ الجمر ما يزال تحت الرماد، وإرادة
هذه الشعوب تظهر بين الفينة والأخرى معبّرة عن رغبتها بالانعتاق من حالة الجمود والتقوقع
والانغلاق، من حالة العجز والتخلّف وانعدام الإرادة إلى ذاك الفضاء المفتوح الذي يتيح
للشعوب تحقيق تطلعاتها في بناء دولة المواطنة والأخاء والمسؤولية، دولة العدالة والشفافية
والتداول السلمي على السلطة، وبالتالي فلا يأس ولا إحباط ولا تراجع.
في عالمنا الإسلامي المترامي الأطراف
حيث نجد أنّ العالم الآخر الذي يتغنّى بالحريّة ومنظومة الحقوق يعمل جاهداً لتمزيق
عالمنا الإسلامي وتشتيته بهدف سرقة خيراته وثرواته والسيطرة على مقدراته ومنْعه من
النهوض والقيام بواجب إنقاذ البشرية، نجد أنّ عالمنا الإسلامي وعلى الرغم من التدخلات
والضربات التي يتلقّاها، وعلى الرغم من محاولات عرقلة مسيرة نهوضه عبر صنوف شتى من
الخطط والبرامج التي لا تخطر على بال، على الرغم من كلّ ذلك فإنّ هذا العالم الإسلامي
يخطو خطوات وإن كانت ثقيلة نحو الاستقرار والقيام بواجب إنقاذ البشرية، فلا يأس ولا
إحباط ولا تراجع.
عيد بأيّ حال عدت يا عيد؟! على الرغم
من الألم، والمأساة، والمعاناة، والمجازر وكل شيء، هذه أمّة لا تموت. هذه أمّة تنهض
من تحت الركام. هذه أمّة تجترح الحلول من المآسي وتنهض من جديد للقيام بواجب الإنقاذ.
ليس من صفاتها وشيمها الثأر والاعتداء وإن كان ردّ الصاع بالصاع مشروع، إنّما من مزاياها
عن غيرها أنّها أمّة تريد الإصلاح والأنقاذ من أجل الإنسان. ولن تتخلّى عن هذه الميزة
التي حباها الله بها. هذه أمّة كلّما تعرّضت للضغط اشتدّ عودها، وزادت عزيمتها على
المضي في الطريق الذي ارتضاه الله لها حتى تبقى وتظلّ أمّة الخير التي تحمل كلّ الخير
لكلّ الناس.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن
رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".