بشير البكر
لا أحد يصدّق أن رئيس الوزراء الإسرائيلي،
بنيامين نتنياهو، لا يستمع للرئيس الأميركي، جو بايدن. ومن حقّ أيِّ مراقبٍ أن يشكّك
بالروايات التي تم تسريبها عن خلافات بين واشنطن وتل أبيب، عن مجريات حرب اسرائيل على
قطاع غزّة. ولو صدق نزرٌ يسيرٌ منها، لكان قد تغيّر مجرى الأحداث منذ عدّة أشهر. ولم
يكن في مستطاع نتنياهو أن يمارس كل هذا القدر من الوحشية تجاه المدنيين الفلسطينيين
لو لم يضمن مسبقا التغطية الكاملة من الإدارة الأميركية التي لم تتخذ موقفا واحدا على
قدر من الحزم تجاه الحرب، بل هي التي تولّت تزويد اسرائيل بالأسلحة والذخيرة، وساعدتها
بالخبرات اللوجستية، وأرسلت حاملات الطائرات إلى منطقتي الشرق الأوسط والخليج، من أجل
عدم توسيع نطاق الحرب، وترهيب كل طرفٍ يفكّر في مساندة غزّة.
لم تضغط واشنطن على تل أبيب، بل سارعت
إلى نجدتها، وأيدت قرار الحرب، واعتبرتها دفاعا عن النفس، ولم يصدُر عنها أي موقف يدعو
إلى وقف إطلاقٍ للنار، رغم العدد الكبير من الضحايا بين المدنيين، والدمار الهائل الذي
أحال قطاع غزّة إلى مكان غير صالح للحياة، ويحتاج لإعادة إعماره إلى أكثر من 15 مليار
دولار، حسب تقدير أوساطٍ ذات خبرة.
كل ما صدر عن الإدارة الأميركية لا
يتجاوز التمنيّات بتحسين الأداء، حتى لا تتعرّض للحرج. وما كانت ستسلك هذا السلوك لو
أنها سمعت موقفا عربيا واحدا، يدعوها للضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب. وهذا يمكن
البرهنة عليه بعدم تنفيذ أيٍّ من قرارات القمّة العربية الإسىلامية، التي انعقدت في
الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وساد الاعتقاد أنها ستغيّر في الموقف الأميركي،
كونها انعقدت على مستوى رؤساء الدول، وصدر عنها قرار في 31 بنداً، دانت "العدوان
الإسرائيلي على قطاع غزّة، وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية"،
التي يرتكبها الاحتلال، ورفضَت ذريعة "الدفاع عن النفس". ولعلّ أبرز ما جاء
في القرار هو البند الثالث الذي نصّ على "كسر الحصار على غزّة، وفرض إدخال قوافل
مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية"، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع
"بشكل فوري"، ولكن ذلك القرار بقي على الورق. وكان واضحاً أن تل أبيب وواشنطن
لم تعيراه أي اهتمام، لإدراكهما أنه لن يتجاوز حدود الظاهرة الصوتية. ولذا كان في المحصلة
تعبيراً عن العجز والفشل والخِذلان من بعضهم، والتواطؤ من فريقٍ آخر، لا يزال يراهن
على نتنياهو كي يقضي على المقاومة الفلسطينية في غزّة، ويفتح بذلك صفحةٍ جديدة في المنطقة،
بات اسمُها ما بعد غزّة، وهي التي على أساسها تجري سلسلة من الترتيبات بقيادة الولايات
المتحدة، ومشاركة أطراف فلسطينية وإقليمية.
لا ترقى الخلافات بين بايدن ونتنياهو
إلى ما هو أكثر من المناكفات التي لم تذهب إلى النقاط الجوهرية من أجل وقف الحرب، وانسحاب
الجيش الاسرائيلي من قطاع غزّة. وليس هناك مؤشّرات إلى أنها يمكن أن تتطوّر إلى المستوى
الذي وصلت إليه بين باراك أوباما ونتنياهو، عام 2105، بسبب الاتفاق النووي مع إيران،
وحتى لو حصل ذلك، لا يبدو نتنياهو في وارد التراجع، وباعتبار أنه لم يتعرّض، حتى الآن،
إلى ضغط فعلي من الإدارة الأميركية، فإنه يتصرّف من موقع قوة، يحمل بيده ورقة الحرب
على غزّة، ويحظى بمساندة كبيرة في الولايات المتحدة من التيار، الذي يقف وراء نقل السفارة
الأميركية إلى القدس في مايو/ أيار 2018، ويقدّم نفسه أنه يواجه التهديدات الوجودية
لإسرائيل، ومنها مشروع الدولة الفلسطينية، وهذا يزيد رصيدَه بزعامة اليمين المتطرّف.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".