تداعيات العدوان على غزّة وعلى لبنان
تشرين الأول 26, 2023

وائل نجم

معركة طوفان الأقصى المستمرة والمتواصلة والمترافقة مع عدوان صهيوني واسع ومجرم يستهدف المدنيين الفلسطينيين بشكل أساسي ومباشر بهدف إلحاق الضرر الكبير بهم كجزء من عملية الضغط على المقاومة الفلسطينية لإرغامها على رفع الراية البيضاء، أو بهدف تفريغ قطاع غزّة من سكّانه كما بات واضحاً للعيان كجزء من مشروع إعادة تشكيل المنطقة وفق المنطق والمشروع الأمريكي، وهو ما أكّد على أنّ المعركة أو العدوان على غزّة هي بداية حرب إقليمية تستهدف المنطقة كلّها وليس عزّة فقط.

وبموازاة العدوان الصهيوني على غزّة والردّ الفلسطيني عليه تحرّكت جبهة جنوب لبنان منذ اليوم الثاني في الثامن من تشرين الأول وتزداد سخونتها وتصاعدها كلّ يوم عن اليوم الذي سبقه وإن كانت حتى اليوم ما تزال تتحرّك ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها، وإن كانت تؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ الأمور يمكن أن تخرج عن هذه القواعد في أيّة لحظة، وبما يؤكّد أيضاً على أنّ هذه المواجهات تُعدّ جزءاً من الحرب الإقليمية التي تتصاعد وتنخرط فيها بقية دول المنطقة بشكل تدريجي وبطيء.

لم تكن الجبهة الجنوبية هي الوحيدة التي تحرّكت على وقع الحرب والعدوان على غزّة، فهناك جبهات ومناطق أخرى بدأت أيضاً تنخرط بشكل متدرّج في هذه الحرب وبأشكال مختلفة ومتعدّدة. فإيران التي تتزّعم محور المقاومة بدأت تنخرط بشكل متصاعد في هذه الحرب من خلال السماح لحلفائها باستهداف المواقع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وما جرى في العراق وسوريا من استهداف أكثر من خمس عشرة مرّة المواقع الأمريكية دليل على هذا الانخراط. وأنصار الله في اليمن (الحوثيون) أطلقوا صواريخ بالستية ومسيّرات نحو كيان الاحتلال اعترضتها مدمّرة أمريكية في شمال البحر الأحمر، وهذا يؤكّد أنّ انخراط هذا المحور في الحرب آخذ بالتصاعد والتوسّع بموازاة توسّع العدوان على غزّة.

وأمّا مصر التي تقع في جوار غزّة فإنّ موقفها السياسي الرافض للعدوان وتهجير الفلسطينين نحو محافظة سيناء، تنخرط أيضاً في هذه المعركة ولكن بطريقة سياسية حيث ترفض العدوان وتعمل على إدخال المساعدات ووقف إطلاق النار في وقت بدأت تتعالى الأصوات في القاهرة بدعوة الجيش المصري للردّ على جرائم الاحتلال خاصة بعد استهداف برج للمراقبة للجيش المصري عند معبر رفح أصيب فيه عدد من الجنود. والأمر ذاته بالنسبة للأردن الذي انخرط في هذه الحرب من زاوية سياسية ترفض تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية نحو الأردن، وهو يطالب أيضاً بوقف النار وإرساء الحلّ السياسي. ويتسلّح الموقفان المصري والأردني بدعم عربي واسع وهو ما يعني أنّ الحرب المندلعة حالياً هي حرب إقليمية ولكنّها تأخذ أشكالاً متعدّدة بينها العسكري وبينها السياسي.

وطالما أنّ هذه الحرب باتت إقليمية فإنّ نتيجتها ستقرّر مستقبل المنطقة ودور ومصالح الدول فيها، وبهذا الاعتبار لا يمكن للبنان أن يبقى على الحياد فيها، ولا أن يدسّ رأسه بالتراب على قاعدة أنّه لا يرى ما يجري ولا دخل له فيه. إنّ نتيجة هذه الحرب ستقرّر مستقبل كل بلد من البلدان المحيطة لأنّها باتت تشكّل مشروعاً واضحاً للمنطقة كلّها، وعليه فإنّ لبنان معني بذلك إن لناحية مستقبل اللجوء الفلسطيني فيه حيث أنّ كيان الاحتلال يعمل على تصفية قضية اللاجئين وتالياً توطينهم في أماكن تواجدهم، وهذا ما يعني أنّ فوزه في هذه المعركة فيما لو حصل سيوطّن الفلسطينيين في لبنان ولو بالقوة، وهذا يتعارض مع مصالح لبنان. ثمّ في الجانب الاقتصادي وبعد ترسيم الحدود البحرية فإنّ كيان الاحتلال استفرد باستخراج النفط والغاز من البحر ويمنع بأشكال متعدّدة لبنان من الإفادة من ذلك، وبالتالي فإنّ أي هيمنة لهذا الكيان على المنطقة ستفرض المزيد من الشروط على لبنان في الثروة النفطية والغازية وبالتالي خسارة لبنان لهذه الثروة. فضلاً عن ذلك فإنّ استقرار المنطقة لصالح الكيان سيعني أنّه سينافس لبنان في موضوع النقل البحري والبرّي والجوي وتجارة الترانزيت، وهو ما سيلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد اللبناني هذا فضلاً عن مسألة السياحة فيما لو جرى تطبيع العلاقات بين هذا الكيان وبقية دول الجوار.

لكلّ هذه الاعتبارات فإنّ مصلحة لبنان المتحقّقة هي في عدم الحياد في هذه الحرب لأنّ الحياد سيضرّ بمصلحة لبنان على الأكيد، وإذا حرص هو على الحياد فإنّ كيان الاحتلال لا يعنيه ذلك، ولعلّ التجربة مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية خير دليل على ذلك، حيث يعمل الكيان على الإضرار بها على الرغم من معاهدات التسوية و"السلام" معه، ولكلّ هذا من المصلحة الوطنية العليا أن يكون لبنان حاضراً من أجل الحفاظ على مصالحه أولاً وكجزء من واجبه العربي الإنساني بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق ثانياً.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".