صلاح سلام
فترة الحرب
الإسرائيلية على غزة قد تطول أو تقصر، ولكن مجريات التطورات الميدانية والسياسية، تُشير
بأن الوضع الفلسطيني لن يعود إلى ما كان عليه قبل ٧ تشرين الأول، وأن وجود سلطة واحدة
في الضفة والقطاع خطوة لا بد منها، إستعداداً لخوض معركة «حل الدولتين»، التي لن تكون
أقل شراسة من الحرب المدمرة على غزة، وتتطلَّب، وقبل كل شيء، وحدة السلطة الفلسطينية،
ومركزية القرار الفلسطيني.
«اليوم التالي»
في غزة يبدأ بتشكيل قوة عربية ــ دولية موقتة، تتولى متابعة تنفيذ إنسحاب جيش الإحتلال
من المناطق التي وصل إليها في الحرب، والإشراف على إدارة شؤون القطاع الأمنية والإغاثية،
وإعادة الحياة إلى الإدارات المدنية، لا سيما الصحية، وتصريف الأمور اليومية للناس،
خاصة بالنسبة لتوزيع المساعدات الغذائية والطبية.
ولكن المضاعفات
التي أثارتها الحرب على غزة على مستوى المنطقة، من جنوب لبنان إلى البحر الأحمر، مروراً
بسوريا والعراق، والمستجدات الأخيرة في الوضع الفلسطيني، يتطلّب الذهاب إلى مؤتمر دولي
على غرار مؤتمر مدريد، بعد حرب تحرير الكويت عام ١٩٩١، يكون منطلقاً لمفاوضات حل الدولتين
من جهة، ويُعيد رسم خريطة النفوذ السياسي في المنطقة، وهذا بيت القصيد بالنسبة للبنان،
الغارق في أزماته السياسية والمالية.
هاجس إنعقاد
هذا المؤتمر يجب أن يشكل عنصر ضغط إضافي على القيادات اللبنانية، السياسية والحزبية،
للتخلي عن خلافاتها، والإسراع في تسهيل إنتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة قادرة،
وكاملة الصلاحيات الدستورية، حتى تكون مشاركة لبنان فاعلة في الدفاع عن الحقوق الوطنية،
والحفاظ على المصالح الإستراتيجية للبلد، الذي يبقي معنياً بشكل مباشر بترتيبات المنطقة،
لأن أجزاء من أراضيه مازالت تحت الإحتلال الإسرائيلي.
وغنيٌّ عن
القول أن إنعقاد هذا المؤتمر، في ظل التعثر الحالي في السلطة الشرعية، بسبب الشغور
الرئاسي ووجود حكومة تصريف الأعمال، من شأنه ليس إضعاف الموقف اللبناني في المفاوضات
وحسب، بل وأيضاً تراجع إهتمام المؤتمرين بالوضع اللبناني، وعدم إعطائه الأولية اللازمة
لمعالجة مشاكله العالقة على الحدود الجنوبية، في حال عدم وجود سلطة شرعية قادرة على
المشاركة في القرارات التي يمكن أن يتوصل إليها المؤتمرون، في إطار إعادة ترتيب أوضاع
المنطقة.
رهان بعض الأطراف
السياسية والحزبية على نتائج الحرب في غزة، والعمل على توظيفها في معادلات الداخل اللبناني،
ليس في محله، إذا كان ثمة حرص على حماية الموقف اللبناني إقليمياً ودوليآً في التسويات
المطروحة، من خلال تصليب الجبهة الداخلية، وتوحيد الصف بمواجهة أية ضغوط خارجية طارئة
على حساب المصالح الإستراتيجية لوطن الأرز.
البدايات المفجعة
للحرب الإسرائيلية على غزة، أوقفت محركات الإنتخابات الرئاسية، وجمّدت مساعي اللجنة
الخماسية، وتركت الخلافات على غاربها بين الأطراف اللبنانية، دون حصول أي تقدم يكسر
الجليد المتحكم في العلاقات بين قيادات الكتل النيابية.
ولكن هل يتحمّل
الوضع اللبناني المهترئ مثل هذا الجمود لفترة طويلة؟
يبدو أن الأشقاء
والأصدقاء في اللجنة الخماسية يحرصون على مراعاة ظروف لبنان أكثر من أبناء البلد أنفسهم،
فقرروا العودة إلى إعادة إحياء المساعي، وتنشيط الإتصالات، عبر زيارة يقوم بها موفد
اللجنة جان إيف لودريان إلى بيروت، بعد محطة في الرياض لإجراء مشاورات مع ممثلي المملكة
في الخماسية.
المهم أن تتخلى
الأطراف اللبنانية عن مواقفها المتعنته السابقة، وتفتح الأبواب الموصدة أمام التشاور
والتفاعل في ما بينها، والتي أدت إلى تعطيل الإنتخابات الرئاسية سنة وثلاثة أشهر، وفاقمت
الإنهيارات في البلد، بسبب غياب الإصلاحات، والعجز عن تنفيذ خطوات الإصلاحات المطلوبة
من صندوق النقد الدولي والدول المانحة، كشرط اساس لتقديم المساعدات العاجلة، وإنتشال
لبنان من دوامة الأزمات التي أنهكت إقتصاده، وأسقطت أكثرية الشعب اللبناني تحت خط الفقر.
ويشكل تحرك
الخماسية المستجد فرصة جديدة أمام اللبنانيين لإنهاء الشغور الرئاسي،وتشكيل حكومة قادرة
على إستعادة الثقة بالدولة اللبنانية، والحصول على الدعم الخارجي المطلوب، خاصة من
السعودية والدول الخليجية، وإطلاق ورشة الإصلاحات المنتظرة.
فهل ثمة من
يتلقَّف تحرك الخماسية الجديد، أم أن تضييع الفرص أصبح من تقاليد الساسة اللبنانيين؟
المصدر: اللواء.
الآراء الواردة
في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".