جبهة جنوب لبنان .. تحريك يرسم مسارات جديدة في المنطقة
نيسان 13, 2023

د. وائل نجم

التطوّرات التي شهدتها الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة الأسبوع الماضي جاءت بشكل أساسي على خلفية الأحداث والاعتداءات التي تعرّض لها المصلّون في المسجد الأقصى المبارك، خاصة وأنّ الصور والفيديوهات التي نقلت الحدث من داخل المسجد ومن باحاته كانت مروّعة ومخيفة حيث تعامل الاحتلال بوحشية منقطة النظير مع مصلّين فرّغوا أنفسهم لعبادة الله بعيداً عن كلّ هذه الدنيا، ومعتكفين توجّهوا بقلوبهم وصدورهم يتبتّلون إلى الله، فإذا بقوات الاحتلال تدخل عليهم المسجد وتطلق لجنودها العنان للاعتداء عليهم بكل وسائل البطش، وقد لاقت هذه المشاهد إدانة واستنكاراً واسعين.

من الواضح أنّ الاحتلال الإسرائيلي، وكما علّمت التجارب السابقة، لا يفهم ولا يردعه إلاّ منطق القوّة فقط، أمّا الإدانات والاستنكارات والشكاوى أمام المحافل الدولية والأممية فهي لا تعنيه ولا يقيم لها وزناً ولا حساباً. كما علّمت التجربة أنّ الرد بالقوّة المماثلة على هذه الاعتداءات كفيلة بردع العدوان ووضع حدّ له.

ومشهد البطش الذي مارسه الاحتلال بحق المصلّين أثار عزّة وكرامة كل إنسان يرفض الظلم والعدوان، وحرّك النخوة في نفوس الكثيرين، فضلاً عن أنّه جعل البعض يبادر إلى القيام بأعمال فردية تمثّل جانباً أو مظهراً من مظاهر القوّة ردّاً على هذه الممارسات الوحشية.

والمظهر الذي خرج عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة هو أحد أوجه التفاعل مع الحدث المقدسي ورفضاً لتلك الاعتداءات وأحد الوسائل الكفيلة بردعها ووقفها. وبالفعل فقد ردع هذا الرد غطرسة الاحتلال، وجعله مع الرد الذي خرج من غزّة أيضاً يفكّر مئة مرّة قبل أن يُقدم على أيّة مغامرة أو ممارسة عدوانية جديدة.

قد يبدو أنّ هناك عدداً من المستفيدين قد استفادوا من هذه التطوّرات والأحداث التي تمثّلت بشكل رئيسي بإطلاق صواريخ من الجنوب نحو مواقع الاحتلال في الداخل الفلسطيني، وهذا صحيح ولا ضير ولا مشكلة فيه. إذ أين المشكلة أن يكون البعض قد استفاد من هذا الجو وسجّل نقطة إضافية بوجه الاحتلال ووضع عقبة أخرى في طريق طموحاته وسياساته؟! المهمّ في المسألة أنّ الاحتلال انردع عن المضي بعدوانه، وأتاح للمصلّين المرابطين في المسجد الأقصى المبارك مواصلة القيام بشعائرهم الدينية دون التعرّض لهم، بل أكثر من ذلك فقد اتخذ قراراً على مستوة رئاسة الحكومة بمنع المتطرفين الصهاينة من الدخول إلى الأقصى في العشر الأواخر من رمضان. وهذا يُعتبر بمثابة انتصار جديد للمصلّين المرابطين ولعموم الشعب الفلسطيني، بل أكثر من ذلك فإنّ ما حصل من ردع للاحتلال رسم خطّاً ومساراً جديداً في المنطقة بدأ الجميع، بمن فيهم الصهانية، أنفسهم يشعرون أنّ نهاية هذا الاحتلال باتت قريبة، ولم يعد من جدوى لبقائه في ظل تنامي قدرة الشعب الفلسطيني والشعوب الأخرى على مواجهته.

أمّا في لبنان وقد خرجت الصواريخ من جنوبه فإنّ ذلك يمكن أن يُعتبر أو يُعدّ جزءاً من الرد على الخروقات الإسرائيلية التي لا تُعدّ ولا تحصى يومياً برّاً وبحراً وجوّاً على لبنان والشعب اللبناني، وبالتالي لا داعي لخوف البعض وهلعهم من رد الاحتلال والخوف من غضبه فهو قد بات أعجز من ذلك.

وتبقى مسألة في غاية الأهمية وهي الاتهامات التي ساقها البعض في الداخل اللبناني وحمّل فيها حركة حماس المسؤولية عن إطلاق الصواريخ من دون أن يكون لدى أيّ من هؤلاء أدنى دليل على ذلك سوى الرواية الإسرائيلية التي روّحها الإعلام العبري بعيد لحظات من الحدث، وتواجد رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنيّة في بيروت.

هذا الاتهام يشبه إلى حدّ بعيد الاتهامات التي توجّه لهؤلاء أنفسهم بأنّهم تابعون ومرتبطون بسفارات خارجية تحركّهم، وهو غالباً ما يكون من دون دليل أيضاً. فبماذا يختلف هؤلاء عن الذين يخوّنونهم ويتهمونهم بأنّهم أدوات رخيصة في أيدي تلك السفارات طالما أنّ أيّاً منهم لا يملك دليلاً على ما يقول؟!

كان الأجدى بأولئك أن لا يتبنّوا الرواية الإسرائيلية خاصة وأنّ أحداً لا يريد الإضرار بلبنان، بل الهمّ الأساسي حمايته من الأطماع الإسرائيلية التي ما تزال حاضرة في العقل الإسرائيلي.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".