جوني منيّر
لم يحمل اليوم الانتخابي اي مفاجآت كبيرة او مؤثرة، فالجلسة
النيابية التي حملت الرقم 12 وبعد انقطاع دام اشهراً، والتي لم يغب عن حضورها أي نائب،
انتهت إلى نتائج كانت متوقعة مسبقاً ولو مع بعض التعديلات.
فرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أدار الجلسة بكثير من الحنكة،
كان قد حبك مسبقاً طريقة ختمها من دون العبور إلى الدورة الثانية، ولتجنّب أي جدال
قد يحصل، عمد فريقه إلى قطع البث التلفزيوني فور الإعلان عن فقدان النصاب القانوني.
وعلى الرغم من ظهور «خطأ الصوت الضائع»، فإنّ رئيس المجلس
عَمَد سريعاً إلى ختم الجلسة تجنّباً لاجتهادات قد تدفع لإعادة التصويت، خصوصاً بعد
انسحاب نواب «الثلث المعطّل». وقبل الجلسة، كانت وزارة الخارجية الاميركية قد أعلنت
عن اتصال أجرته وكيلة الوزارة فيكتوريا نولاند، ببري، وكان الدافع الحقيقي لإجراء هذا
الاتصال الإشارة إلى حرص واشنطن على حصول الجلسة، بعدما سرت شائعات في الأوساط الديبلوماسية
مفادها، أنّ «الثنائي الشيعي» قد يعمد إلى افتعال أحداث او إيجاد سبل لمنع انعقاد الجلسة
تجنّباً للنتيجة الرقمية.
والمقصود هنا وجوب انعقاد الدورة الاولى حصراً، لأنّ العواصم
الغربية تعرف انّ الدورة الثانية لن تُعقد تجنّباً لانتخاب رئيس لم يُمهّد لوصوله تفاهم
وتسوية سياسية عريضة، فكان التدخّل الاميركي على مستوى الرقم 3 في وزارة الخارجية لا
على مستوى السفيرة او مساعدة الوزير لشؤون الشرق الاوسط، لإعطاء الرسالة أهميتها. ولهذا
السبب تحديداً ختم بري الجلسة فور انتهاء اقتراع الدورة الاولى، من دون تحديد موعد
لجلسة جديدة، وهو ما يعني وجوب انتظار الحركة والمساعي الخارجية، والتي ستبدأ مع مطلع
الاسبوع المقبل.
وبات معروفاً انّ الثنائي الشيعي أخطأ كثيراً في التسويق
الإعلامي والسياسي لفرنجية. لقد غلبت اللغة الفوقية والتهويل بالفراغ الطويل واللون
المذهبي على حملة فرنجية. وفي المقابل، فإنّ الفريق الداعم لجهاد ازعور ارتكب بدوره
أخطاء بالجملة، أظهرت وجود حسابات ضمنية لها علاقة باستثمار شعبي لكل طرف من أطراف
هذا الفريق. فالمبالغة والتلويح بأرقام غير واقعية أدّيا إلى نجاح الفريق المناوئ في
استغلال هذه الأخطاء والعمل بصمت، ما جعله يحقق إنتاجية افضل، والمقصود هنا حرمان ازعور
من خرق حاجز الـ 60 صوتاً وتجاوز فرنجية حاجز الـ 50 صوتاً.
وقبل ذلك، تسابق أطراف ذاك الفريق في التباهي بالذهاب إلى
تعطيل جلسة تؤدي إلى انتخاب فرنجية، على الرغم من انّ الظروف لم تكن قد حانت بعد، ما
منح فريق «الثنائي الشيعي» حصانة ذهابه إلى مبدأ تعطيل النصاب من دون ان يلومه احد.
ووفق ما سبق، فإنّ ما حصل أظهر تسابقاً بين أطراف «الفريق
الواحد» لتحقيق مكاسب شعبية وشارعية ضيّقة، لا التخطيط جدّياً وفعلياً لخوض معركة ومواجهة
وفق الأصول المطلوبة.
اياً يكن، فإنّ جلسة الأمس حققت الوظيفة المطلوبة منها بالنسبة
إلى العواصم الغربية، لناحية تثبيت معادلة نيابية وفق توازنات جديدة يحظى فيها «حزب
الله» والفريق الداعم له بـ 51 نائباً، وبتعبير أوضح، فإنّ المعادلة الرئاسية التي
كانت رست عليها انتخابات العام 2016 أنتجت منح «حزب الله» حق التسمية إضافة الى قدرته
على كسر»الفيتو» الخارجي عن مرشحه. واستتبع ذلك بتعزيز نفوذه داخل مفاصل السلطة. أما
اليوم، فإنّ النتيجة السياسية أظهرت تبدلاً في موازين القوى، لكن من دون إغفال القدرة
الحاسمة لـ»حزب الله» وفريقه على وضع «الفيتو».
في الواقع، ثمة اوراق عدة خسرها «حزب الله» خلال الاسابيع
الماضية، ما بين الانعطافة الفرنسية، والتي تجلّت بتكليف جان ايف لودريان الملف اللبناني
عوضاً عن ايمانويل بون وباتريك دوريل، وما بين الموقف الضمني الحقيقي للسعودية، والذي
تجلّى بترشح ازعور، على الرغم من انّ هذا الموقف بقي صامتاً ومكتوماً.
اما في الداخل، فبدا واضحاً موقف رئيس «التيار الوطني الحر»
جبران باسيل الذي قطع أي احتمال للعودة إلى خيار فرنجية، واضعاً «اسمنتاً مسلحاً» على
طريق العودة، وفي الوقت نفسه نجح في معركة تطويع كل فريقه النيابي لمصلحه خياره، بعدما
اشتكى صراحة من تدخّل «حزب الله» في «غرفة نوم» التكتل.
صحيح انّ الضجيج الإعلامي حول هذه الجلسة سيستمر طوال الأيام
المقبلة، وصحيح انّ معادلة فرنجية ـ ازعور ستبقى تتصدّر النقاشات الإعلامية، لكن النقاش
السياسي الفعلي سيذهب في اتجاه آخر، وسيرصد المؤشرات الخارجية.
أولى هذه المؤشرات سيكون موعدها غداً في العاصمة الفرنسية
باريس، حيث سيلتقي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ولي العهد السعودي الامير محمد بن
سلمان. الأكيد انّ الملف اللبناني سيجري طرحه بدليل مسألتين: الاولى انّ وزيرة الخارجية
الفرنسية كاترين كولونا خصّصت جزءاً من لقائها بولي العهد السعودي للملف اللبناني عند
زيارتها السعودية منذ بضعة ايام.
والثانية، انّ المستشار السعودي نزار العلولا المسؤول عن
الملف اللبناني، والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، استبقا زيارة بن سلمان وزارا
باريس، وهو ما يدفع للاستنتاج بأنّهما عملا على تحضير الأجواء المطلوبة للمحادثات الفرنسية
ـ السعودية.
وثاني هذه
المؤشرات سيظهر مع وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان إلى لبنان مطلع الاسبوع
المقبل، في أولى تحركاته في اطار مهمّته الجديدة.
ومن المنطقي
الاعتقاد بأنّ لودريان سيحمل معه الأجواء التي أنتجها الاجتماع الفرنسي ـ السعودي،
رغم انّ مهمّته ستكون في طابعها الغالب استكشافية، من خلال لقائه بجميع الافرقاء، لا
تقريرية كما يتوهّم او يأمل البعض. وسيعمل لو دريان من بعدها على وضع تقريره المفصّل،
وهو الخبير بدهاليز الحياة السياسية اللبنانية وبالخلفيات الحقيقية للأطراف السياسية
فيها. والأرجح انّ لودريان سيحمل معه طروحات او افكاراً تحاكي النتائج الفعلية للمعادلة
النيابية الجديدة التي أفرزتها جلسة الأمس.
وأما ثالث
هذه المؤشرات، فيطاول الاجتماع الخماسي للدول المعنية بالملف اللبناني، والذي كان قد
طرح وجوب انعقاده قريباً. وطبعاً فإنّ هذا الاجتماع في حاجة لظروف خارجية ناضجة ومساعدة،
لكي يخرج بمقررات تشكّل خريطة طريق تنفيذية. ولا شك في أنّ حصول تفاهم حول الملف النووي
بين واشنطن وطهران يُعتبر عاملاً أساسياً على طريق إنضاج هذه الظروف. واستتباعاً، وفي
حال حصول هذا التقدّم، فإنّ الموفد القطري لن يتأخّر في العودة إلى لبنان ليلاقي جهود
الموفد الجديد للرئيس الفرنسي وحركته، لإنتاج تفاهم عريض يراعي «هواجس» «حزب الله»
حيال المرحلة المقبلة، بالتفاهم مع الإدارة الاميركية التي تبقى تمسك بمفاتيح التسوية
والحلول.
وبذلك تكون
الجلسة الرقم 12 في سلسلة جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، قد أدّت الغاية المطلوبة منها،
بالتأسيس لمرحلة جديدة وفق معادلة قائمة على توازنات معدّلة عن تلك التي سبقت، والتي
من المفترض ان تفتح الباب امام حقبة جديدة وطويلة من الاستقرار، ولو انّه استقرار مؤقت
وليس نهائياً.
المصدر: الجمهورية.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر
عن "آفاق نيوز".