حول احتمالات توسّع الحرب إلى لبنان
كانون الثاني 26, 2024

د. وائل نجم

المؤشرات التي برزت خلال الأسابيع الأخيرة تشير بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ التوتر قد تصاعد على جبهة جنوب لبنان مع فلسطين المحتلة بموازاة تصاعد المواجهات وتجاوزها لكلّ الخطوط الحمر وقواعد الاشتباك وقد اتخذت هذه المرّة صفة الحرب الأمنية أكثر منها الحرب العسكرية خاصة من طرف العدو الإسرائيلي إذ أنّه شنّ مجموعة ضربات أمنية بدأها باغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، ثم استكملها في غارات بالطائرات على قياديين ميدانيين لحزب الله على امتداد الساحة الجنوبية وليس في المنطقة الحدودية التي تشهد المواجهات، كما تجاوز بها لبنان ليشنّ غارات استهدفت قيادات رئيسية وأساسية في الحرس الثوري الإيراني في سوريا وقد أعلنت إيران عن اغتيال العميد المسؤول عن الاستخبارات في فرقة القدس في الحرس المعروف بـ "الحاج صادق" ونائبه مع مجموعة ضباط آخرين. هذا وقد ردّت إيران على ذلك بقصف مواقع في المنطقة بصواريخ بالستية من بينها مراكز في أربيل بكردستان العراق قال إنّها لـ "الموساد الإسرائيلي"، فيما صعّد حزب الله من مواجهاته في جبهة الجنوب متوعداً بالردّ على تجاوزات الاحتلال.

هذه المواجهات وطبيعتها والتي ترافقت مع تهديدات إسرائيلية متوالية عن ضرورة انسحاب حزب الله والمقاومة من منطقة الحدود إلى شمال نهر الليطاني عبر الدبلوماسيةأو عبر عملية عسكرية؛ والتي تزامنت أيضاً بفشل عسكري إسرائيلي في غزة حيث أخفقت قوات الاحتلال في تحقيق أي هدف عسكري من الأهداف التي وضعتها لنفسها؛ إضافة إلى الضغط المتصاعد داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي على الحكومة ورئيسها وعلى قيادة الجيش وعلى بقية الطبقة المسؤولة عمّا آلت إليه الأوضاع، ربما يدفع هؤلاء إلى التفكير بالهروب إلى الأمام وفتح جبهة جديدة ظنّاً أنّ ذلك يمكن أن يغيّر المعادلات لصالحهم، أو قد يجرّ أطرافاً آخرين إلى الانخراط بالحرب إلى جانبهم وهو ما يمكن أن يمثّل فرصة بالنسبة لهم للتخلّص من العقاب والملاحقة، ومن هنا تأتي الخطورة عن الحديث عن احتمالات انزلاق المنطقة إلى الحرب المجنونة الواسعة؛ ومن هنا تأتي الخطورة في توسّع الحرب لأنّها ستكون خارج كل القيود والقواعد وبالتالي فإنّ قد تتحوّل إلى حرب مدمّرة ينخرط فيها أطراف إقليميون ودوليون.

في الطرف المقابل يصرّ حزب الله وقوى المقاومة الأخرى على الاستمرار بالضغط على قوات الاحتلال من خلال الجبهة الجنوبية أو غيرها خارج لبنان لاعتبارات كثيرة وعديدة من بينها شعورها بالمسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني وتحالفاتها مع قوى المقاومة الفلسطينية وخوفها من أن تكون هي الهدف التالي في قائمة أهداف الاحتلال الإسرائيلي فيما لو أنجز مهمّته في غزة، ولذلك فإنّ قوى المقاومة أكّدت على أنّها مستمرة في مقاومتها وتوجيهها الضربات لقوات الاحتلال حيث تسنح الظروف والإمكانات، غير أنّها في الوقت ذاته تؤكّد على حرصها على عدم جرّ لبنان أو المنطقة إلى حرب مفتوحة وواسعة لأنّها تعلم تماماً أنّ ذلك سيتيح الفرصة لإسرائيلي للتهرّب من هزيمتها المدوّية في غزة أولاً، ولأنّها تدرك ايضاً أنّ قوى أخرى ستنخرط في هذه المعركة وهي قوى كبرى ودولية وتملك من المقدرات العسكرية وغير العسكرية الكثير مما يجعلها قادرة على تدمير المنطقة على رؤوس أبنائها. ولذلك فإنّ هذه القوى لا تريد أن تعطي أيّة فرصة للعدو لتوسيع نطاق الحرب من دون أن يعني ذلك أنّها ستكون قادرة على ذلك خاصة إذا تجاوز العدو المزيد من قواعد الاشتباك والخطوط الحمر ضمن الحرب الأمنية التي يخوضها في لبنان والمنطقة.

المنطقة والقوى المؤثّرة فيها تعيش مرحلة حبس الأنفاس بانتظار كلّ جديد، وهي تجري تطويراً وتحديثاً لموقفها مع كلّ ساعة أو كلّ موقف من دون أن يحسم أيّ طرف موقفه النهائي حتى الساعة.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".