د. وائل نجم
تبرز بين الفينة والأخرى مسألة اللاجئين السوريين إلى
لبنان على خلفيات متعدّدة ومختلفة، وكان آخرها هذه المرّة تورّط عدد من السوريين
بجريمة اختطاف ومقتل الناشط في حزب القوات اللبنانية، باسكان سليمان، حيث انطلقت
دعوات تحريضية استهدفت اللاجئين رافقها اعتداءات على بعضهم في بعض المناطق،
وإجراءات بلدية في بعض البلديات استهدفت التضييق عليهم، فضلاً عن إطلاق دعوات
لترحيلهم وإبعادهم وتحميلهم مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وربما حتى
السياسية التي يعيشها لبنان وفي ذلك بكلّ تأكيد تجنّ عليهم وإن كانت بعض الأمور
تحتاج إلى معالجة جدّية وحقيقية لوضع حدّ للاستغلال الرخيص في هذا الملف. ليس هناك
رقم دقيق لعدد اللاجئين السوريين في لبنان. فهناك المسجّلون كلاجئين لدى وكالة
اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وهناك الذين دخلوا إلى لبنان بصورة قانونية،
وهناك الذين دخلوا بشكل غير قانوني ولم يتسجّلوا لدى وكالة اللاجئين، وربما هؤلاء
هم أغلبية السوريين في لبنان.
ويذهب البعض إلى القول إن عدد السوريين في لبنان من
هذه الفئات يتخطّى مليون ونصف مليون سوري، فيما يعتبر البعض أن عدد اللاجئين
المسجّلين منهم لا يتجاوز ثمانمئة ألف تقريباً.
إلى
ذلك يتوزّع الوجود السوري في لبنان على اختلافه بين مخيمات مضبوطة، ومخيمات
عشوائية، وانتشار واسع في الأرياف والمدن اللبنانية في كل لبنان تقريباً. ويتلقى
اللاجئون مساعدات مباشرة من جمعيات مختصة، ومساعدات غير مباشرة من خلال الحكومة
ومؤسساتها كما في حالات التعليم الصحّة، فيما يعمل أغلبهم في أعمال تتنوّع ما بين
الأعمال الحرّة والزراعية والخدمات وحتى التجارة، وبعض هذه الأعمال مرخّص من قبل
الحكومة اللبنانية، وبعضها غير مرخصّ ويجري خارج القانون.
ويتخلّف العديد من السوريين عن دفع الضرائب
المتوجبة عليهم تجاه الدولة، بينما يقوم بعضهم بالأعمال المختلفة ومن ثمّ يقوم
بترحيل جزء كبير من الأموال التي يتقاضاها إلى الداخل السوري، في حين ينتقل بعضهم
ما بين لبنان وسوريا بكل أريحية وحريّة، وهذا يشكّل ضغطاً في مكان ما على الداخل
اللبناني، خاصة أولئك الذين يعملون خارج القانون ويحوّلون أموالهم إلى سوريا، أو
أولئك الذين لا يعملون ولكنّهم يستهلكون مقدرات لبنان من دون أن يكونوا مسجّلين
لدى مفوضة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وبالتالي فالحكومة لا تتقاضى عنهم أيّة
مساعدات.
إنّ
كل ذلك لا يستدعي إطلاق حملات تشويه وشيطنة وترهيب، وتحميل اللاجىء السوري مسؤولية
ما آلت إليه الأمور في لبنان، بل يستدعي تحمّل المسؤولية تجاه ذلك من خلال اعتماد
خطة واضحة وشفّافة بعيداً عن منطق التشفّي أو الانتقام أو العنصرية، وهذا ما
يستدعي فرز الملف على أساس اللاجىء الحقيقي الذي له الحقّ الانساني في الحماية
والرعاية. والعامل الذي يجب أن يحصل على الموافقات القانونية للقيام بأي عمل
يجيزيه القانون. والقسم الثالث الذي دخل بشكل غير قانوني، ويعمل بشكل غير قانوني،
ويتنقّل بين لبنان وسوريا بشكل قانون أو بشكل غير قانوني، وهذا القسم يإمكانه أن
ينتقل إلى سوريا إلى المناطق التي يديرها النظام أو تلك التي تديرها المعارضة،
وهذا يحتاج ربما إلى تنسيق يجب أن تقوم به الحكومة بأيّة طريقة مشروعة لا تضرّ
بمصلحة لبنان، والشروع بخطوات تنفيذية لإعادة هؤلاء، وتظيم عمل الداخلين قانونياً،
وحماية ورعاية الخائفين فعلياً من الانتقام في حال إعادتهم.
وأمّا الحديث عن فتح البحر أمام مغادرة السوريين
لبنان إلى أوروبا فإنّه ليس حلّاً لأنّ ذلك قد يعني موت هؤلاء في البحر أو ربما
إعادتهم من الأماكن التي يمكن أن يصلوا إليها، أو حتى تشتيت العائلات وفصل الأبناء
عن عائلاتها بهدف اسغلالهم وتغريبهم، وبالتالي فإنّ هذا الحلّ لا يراعي لا المسألة
القانونية ولا الإنسانية. كما وأنّ سياسة الضغط والتضييق على السوريين في لبنان
ليس حلّاً أيضاً إذ أن الضغط والتضييق قد يولّد في أيّة لحظة انفجاراً كبيراً لا
يمكن تداركه. وعليه فإنّ الحلّ الأمثل والأهم هو المشار إليه آنفاً في فرزهم
والتعامل معهم على الأسس التي دخلوا بسببها. ملف اللاجئين السوريين في لبنان يجب
أن يتمّ إخراجه من الاستغلال السياسي وإبقاؤه ضمن التعامل القانوني الانساني وصولاً
إلى حلول تكون في مصلحة لبنان من ناحية ومصلحة اللاجئين من ناحية ثانية.
الآراء الواردة في المقال
تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز"