حول وصول سفينة التنقيب عن النفط إلى لبنان
آب 24, 2023

وائل نجم

مشهد قيام بعض المسؤولين اللبنانيين بزيارة سريعة وخاطفة إلى سفينة التنقيب عن النفط التابعة لشركة "توتال" الفرنسية في المياه الإقليمية اللبنانية، والتي من المفترض أن تبدأ رحلة البحث والاستكشاف عن النفط والغاز في الحقل رقم "9" الذي كان محل نزاع بين لبنان وكيان الاحتلال الإسرائيلي، قُدّم إلى اللبنانيين كما لو أنّهم حقّقوا به نصراً مبيناً! مع الاعتراف أنّ المهمّة الموكلة بها هذه السفينة هي فقط الاستكشاف لمعرفة إذا ما كان هذا الحقل يحوي كميات مهمّة من النفط والغاز كما كان يجري التداول في أوقات سابقة. بمعنى آخر أنّ النتائج غير مضمونة إن لناحية الكميّات المتوفّرة من النفط والغاز في هذا الحقل، وإن لناحية الاستخراج إذا كان الحقل يحوي على كميّات مغريّة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ مسألة بدء التنقيب والاستخراج يحتاج، للأسف، إلى موافقة كيان الاحتلال الإسرائيلي لأنّ اتفاق ترسيم الحدود البحرية الموقّع العام الماضي تضمّن هذا البند حيث اشترط اتفاقاً بين الشركة التي ستعمل على التنقيب والاستخراج، وهي "توتال" وبين حكومة الاحتلال على نسبة معيّنة من الكميّات المستخرجة تعود إلى دولة الاحتلال، وبالتالي فإنْ اختلفت الشركة وحكومة الاحتلال على هذه النسبة ولم يتفقا عليها فإنّ الحفر والتنقيب والاستخرج في مهب الريح، وعليه فإنّ رحلة سفينة الاستكشاف طويلة ومن بعدها حتى الحفر والاستخراج، فلماذا كلّ هذا الحفل وهذا الصخب اللبناني والفرنسي (شركة توتال فرنسية) على خطوة متواضعة لا تُعدّ شيئاً مهمّاً؟!

في الجانب اللبناني يعني المسؤولين إبراز مثل هذه الخطوات وتضخيمها في ظلّ الانهيار المالي والاقتصادي على اعتبار أنّها تشكّل مدخلاً ومقدمة للحلول والأزمات اللبنانية المالية والاقتصادية بحيث يحوّل لبنان مع اكتشاف كميّات الغاز والنفط المدفونة في الحقل رقم "9" إلى دولة نفطية وغازية، ومن ثمّ يمكنه أن يستدرج عروضاً بعد ذلك لأخذ قروض مالية مقابل رهن هذه الثروة المدفونة في عمق البحر لشركات أو لدول أو لصناديق وبنوك دولية، وذلك استكمالاً للسياسات المالية التي اتُبعت منذ بداية تسعينات القرن العشرين مع حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي راهنت في حينه على السلام والتسوية بين العرب وكيان الاحتلال، وبالتالي اتبعت سياسة الاستدانة على اعتبار أنّ التسوية ستكون كفيلة بشطب ديون لبنان المالية. اليوم في ظلّ الأزمة، وفي حال استكشاف النفط والغاز ستتجدّد السياسات المالية ذاتها لناحية الرهان على الاستدانة من الخارج مقابل رهن النفط والغاز، والمفارقة أنّ أغلب القوى السياسية التي كانت تنتقد السياسات المالية السابقة ستعود وتلتزم بها من جديد وتقدّمها إلى اللبنانيين كما لو أنّها انتصار وإنجاز عظيم.

إلى ذلك وجد المعنيون أن وصول السفينة فرصة لإلهاء الشعب اللبناني عن أزماته اليومية في ظل غياب الحلول، و"إبرة" تخدير جديدة على أعتبار أنّ السفينة تحمل الترياق لهم! ولكنّ الحقيقة غير ذلك إذ أنّ هؤلاء أنفسهم سيختلفون غداً على الثروة انطلاقاً من مبدأ المحاصصة المعمول به، وسيجعلونها تذهب أدراج الرياح، بمعنى آخر لن يجد منها المواطن اللبناني سوى الفتات.

أمّا بالنسبة للفرنسي فإنّه يحاول أن يقدّم إغراءات معيّنة هدفها إظهار نفسه وسيطاً جاداً وجديّاً في قضية إخراج لبنان من أزمته، وفي طرحه لقضية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في أي فكرة جديدة يمكن أن تشكّل بالنسبة له مصلحة حتى لو كانت على حساب المكوّنات اللبنانية، ولذلك حرص على استقدام السفينة والاحتفاء بها كما لو أنّه قدّم إنجازاً كبيراً وحلّاً سحرياً للأزمة اللبنانية، في حين أنّ الحقيقة هي أنّه يعمل على تحقيق مصالحه الخاصة في علاقاته بدول المنطقة وفي تأمين موارد مالية خاصة به تساعد على التخفيف من حجم الأزمة التي يعيشها داخلياً أو على مستوى طرده من القارة الأفريقية.

مشهد الاحتفاء بوصول سفينة التنقيب لا يخرج عن كونه خدعة متعدّدة الأوجه وسيظلّ كذلك حتى يثيب العكس ونرى النفط والغاز يتدفق ويصب في خزينة اللبنانيين وليس في جيوب المسؤولين.