وائل نجم
اللقاء الذي جمع النوّاب
المسلمين السُنّة في دار الفتوى يوم السبت الماضي بدعوة من مفتي الجمهورية، الشيخ عبد
اللطيف دريان، ورعايته كان الحدث الأبرز والأهمّ الذي استأثر باهتمام اللبنانيين، لا
سيّما المهتمين بالشأن السياسي منهم، على كثرة الملفات الأخرى من ترسيم الحدود، وزوارق
الموت، والملف الحكومي، والرئاسي وغيره.
صحيح أنّ اللقاء جمع النوّاب
السُنّة في كنف الدار، ولكنّه كان لقاءً وطنياً بامتياز. لقد طرح وناقش النوّاب بحضور
المفتي قضايا وطنية عامة وليس قضايا إسلامية متصلة بالشأن السُنّي فحسب. فالدار هي
لكل اللبنانيين، وهي أكبر من أن تهتم بالشأن الخاص على أهميته. الدار تاريخياً صمّام
أمان الوطن ودرعه الواقي عن النوازل والأزمات، ولذلك طرح المفتي على النوّاب قضايا
وهموماً وطنية عامة تبدأ بالاستحقاق الحكومي ومن ثمّ الرئاسي لأنّ بقاء واستمرار الوطن
هو ضمانة لكلّ اللبنانيين على اختلاف مكوّناتهم وتنوّعهم.
لقد أراد المفتي دريان
هذا اللقاء في هذه اللحظة التاريخية الفارقة من عمر الوطن حيث نقف على بعد أسابيع قليلة
من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون وتلويح البعض بالفراغ الرئاسي على غرار ما حصل في
العام 2014عندما عطّل البعض المجلس النيابي ومنع انتخاب رئيس للجمهورية بحجّة اللعبة
الديقمراطية ضارباً بعرض الحائط المصلحة الوطنية ومصير الوطن، واليوم أراد المفتي في
هذه اللحظة الفارقة أن يركّز الاهتمام على هذا الاستحقاق الذي يشكّل انجازه بداية ومفتاح
الحلول لكل المشكلات التي يعاني منها لبنان.
وكذلك فقد ركّز اللقاء
على انتخاب رئيس يتحمّل المسؤولية الوطنية ويتحلّى بها، لا رئيس يكون همّه الأول والأخير
تحقيق مصالحه الخاصة أو الفئوية أو مشاريعه المشبوهة التي تهدّد بقاء الوطن. كما ركّز
على تأليف حكومة في أقرب وقت ضمن التزام قواعد العمل بالدستور والحفاظ على الشراكة
والتنوّع والخصوصيات.
والحقيقة أنّ النوّاب الذين
حضروا تحلّوا أيضاً بحسّ المسؤولية والوطنية، فهم على الرغم من تباينهم في الآراء السياسية
وصولاً إلى حدّ الانقسام في الموقف من بعض الملفات، غير أنّهم لبّوا الدعوة وحضروا
إلى الدار ليأكدوا على الثوابت الإسلامية الوطنية فيما يتصل بحاضر لبنان ومستقبله،
ويشدّدوا على إنجاز الاستحقاق الذي يحمي الوطن ويشكّل درعاً حصيناً له في زمن الانهيارات
العالمية.
لقد شكّك البعض ابتداءً
بالدعوة وحاول أن يضعها في إطار الفئوية الضيقة غير أنّ الدار ومفتيها والنوّاب الذين
حضروا بدّدوا تلك الشكوك، وكشفوا نوايا البعض ممن لا يريد لدار الفتوى ولا للمكوّن
الأساسي الذي يمثّله النوّاب أن يكون له أيّ دور على المستوى الوطني، وحتى يبقى في
حالة من الضياع والفوضى والتشرذم فيسهل للبعض الانقضاض على ما تبقّى من الدولة كما
لو أنّها شركة أعلنت إفلاسها ويريد كلّ شريك فيها أن يستأثر بحصة منها دون اي اعتبار
لأيّة محاولة إنقاذ أو إعادة ترميم.
لقد دحض المفتي والنوّاب
كل تلك الشكوك والنوايا وأكّدوا أنّ الدار والنوّاب معها ومن خلال لقائهم فيها يتمسّكون
بكل ما من شأنه أن يعيد الاعتبار للدولة ومؤسساتها لتكون دولة المواطن والانسان ولكل
المواطنين ، على قاعدة المساواة في المواطنية وفي الحقوق والواجبات. لقد أثبتت الدار
أنّها دار كلّ اللبنانيين من خلال دورها الوطني الرائد، كما أثبتت أنّها الدرع الحصن
الحصين للوطن. ويبقى أنّ هذه الخطوة يجب أن يتبعها خطوات ثابتة في مسيرة إنقاذ الوطن
وإعادة بناء الدولة حتى لا يسود منطق الدويلات.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر
عن "آفاق نيوز".