درع الشمال .. تسويق لعدوان أم تهدئة لخواطر؟
كانون الثاني 02, 2019

د. وائل نجم  - كاتب وباحث

  أطلقت قوات الإحتلال الإسرائيلي ما سمّته عملية "درع الشمال" بحثاً عن أنفاق قالت إن حزب الله قد حفرها من الجانب اللبناني وامتدت إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في منطقة الجليل وتحديدا في مستوطنة "المطلة".

قالت قوات الإحتلال أنها أكتشفت ثلاثة أنفاق تبدأ من لبنان وتصل إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورافقت الإدعاءات حملة تهديد ووعيد للبنان حكومة ومقاومة وشعباً مشيرة إلى أن "درع الشمال" قد تمتد إلى داخل الأراضي اللبنانية إذا اقتضت الحاجة ذلك. كما رافقت هذه التهديدات والإدعاءات حملة إعلامية منظمة داخل كيان الإحتلال، وفي الدول الغربية أيضاً وتجسّد ذلك بوضوح في لقاء رئيس حكومة كيان الإحتلال، بنيامين نتنياهو، بسفراء الدول الغربية وتضخيم الحديث أمامهم عن خطر تلك الأنفاق، وكذلك اتصالاته بعدد من رؤساء الحكومات والدول لهذه الغاية.

قوات الطوارىء الدولية العاملة في جنوبي لبنان، والتي قامت بدورها بالكشف عن حقيقة تلك الأنفاق وامتدادها إلى داخل الأراضي المحتلة، أكدت مرتين وجود هذه الأنفاق، ولكنها لم تحدد أصحابها، مشيرة إلى أن هذا الأمر يُعدّ مسألة خطيرة للغاية.

في مقابل ذلك لم يكن هناك أي حديث لبناني واسع في هذا الملف، بل اكتفى رئيس المجلس النيابي بالتشكيك أولاً بتلك الأنفاق، ومن ثم الهدف منها، وكذلك أشار مدير عام الأمن العام، إلى أن تلك الأنفاق قديمة وليست حديثة، فيما أكد الرئيس اللبناني انتظار التحقيق النهائي لليونيفل ليصار إلى البناء على الشيء مقتضاه.

والسؤال البديهي الآن: هل تسوّق "إسرائيل" لعدوان جديد على لبنان؟ أم ترى كل الضجيج الحاصل على الحدود هو من قبيل تهدئة خواطر الداخل الإسرائيلي لاعتبارات داخلية؟؟

الحقيقة أنه لا يمكن حسم الإجابة في مثل هذه الظروف والأوضاع التي تعيشها المنطقة، وإن كانت دولة الإحتلال تعمل دائماً على تحضير نفسها لحروب واعتداءات جديدة، بقدر ما يعمل قادتها على إلهاء وإشغال الداخل الإسرائيلي وتضليله من أجل التهرّب من المسؤوليات حيناً وفي لعبة التجاذبات والانتخابات الداخلية حيناً آخر.

وفي تفسير ما يجري على الحدود مع فلسطين المحتلة، تجهد حكومة نتنياهو إلى إثبات أن حزب الله يخرق القرار الدولي 1701 من خلال تواجده في منطقة جنوب الليطاني، ومن خلال حفر الأنفاق على الحدود وداخل الأراضي المحتلة، ومن خلال مصانع الصورايخ التي تحدث عنها نتنياهو أمام الأمم المتحدة، والتي قال إنها بجانب مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وكل ذلك من أجل تهيئة الظروف المؤاتية لشنّ عملية عسكرية في أية لحظة تسنح فيها الظروف بذلك، خاصة وأن من مصلحة كيان الإحتلال أن يوجّه ضربة عسكرية لحزب الله من ضمن التخطيط لإضعاف دور إيران في المنطقة، وقادة كيان الإحتلال يدركون أن الهامش يضيق أمامهم كلما استنفد الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، وقته في البيت الأبيض. وعلى هذا الأساس نعم قد يكون ما يجري عند طرف الحدود هو عملية تسويق لعدوان جديد قد تقوم به "إسرائيل" في أية لحظة، ولكن ما يشير إلى صعوبات أمام هذا الضربة المحتملة هو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يحكم الآن بثقة 61 نائباً في "الكنيست" (مجلس النواب) من أصل 120، وهذا يعني أغلبية طفيفة جداً قد لا تخوّله الدخول في مثل هذه المغامرة. كما وأن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، تنتهي ولايته في رئاسة الأركان نهاية العام الجاري، ومن غير المتوقع أو المقبول أن يشنّ رئيس أركان حرباً وهو يتجه نحو التقاعد، كما وأن أي رئيس أركان جديد يحتاج إلى وقت لدراسة طبيعة الظروف من أجل اتخاذ قراره وبناء خططه. وبالتالي فإن هذه العوامل وغيرها تشكل معوّقاً أمام أي عدوان جديد.

وأمام هذا المشهد هل يمكن القول إن ما يجري هو عملية تهدئة خواطر الداخل الإسرائيلي؟

نعم يمكن أن يكون الأمر في هذا السياق، لأن العدو يدرك أن هذه الأنفاق ليس لها خطورة الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، وهو يعرف بهذه الأنفاق منذ فترة، وقد أشارت بعض المعلومات إلى أن الحزب أوقف أحد العملاء في الفترة الأخيرة ممن كان على علم بمسألة الأنفاق، وبالتالي كشْف العدو عنها يرتبط بانكشاف عميله، واستثمار ذلك في القضايا السياسية والداخلية والتهويل.

كما وأن نتنياهو يعاني مأزقين في الداخل الإسرائيلي، أحدهما يتعلق بإمكانية انهيار حكومته في أية لحظة، وبالتالي الذهاب إلى انتخابات مبكرة في وقت هو غير مستعد لها بشكل كامل، خاصة وأنه متهم بالتفريط بأمن المستوطنين في مستوطنات غلاف غزة بالنظر إلى التهدئة التي فرضتها كتائب القسّام عليه، ودفعت بوزير الحرب لتقديم استقلته، فضلاً عن مأزق ملاحقته وزوجته في قضايا فساد أمام القضاء الإسرائيلي، وهما مأزقان كفيلان بدفع الأمور نحو هذا التصيعد على الحدود وبشكل مدروس من أجل تهدئة الخواطر وامتصاص الغضب والنقمة، ورفع مستوى التحدّي والخوف من أجل اجتياز هذه المرحلة، وهنا نستذكر ما صرّح به الرئيس اللبناني الذي قال إن "إسرائيل" أخبرت لبنان عبر واشنطن أنها غير عازمة على شنّ أي عدوان على الأراضي اللبنانية.

لذا فإن ما يجري على الحدود قد يكون صداه موجّهاً نحو الداخل الإسرائيلي أكثر مما هو نحو لبنان، ومن دون أن يسقط المرء من حساباته غدر العدو.    

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق ينوز"