منير
الربيع
في مراقبة
للخطوات الأميركية إزاء العقوبات التي فرضتها على شخصيات لبنانية مؤخراً، يمكن استنتاج
نقطتين أساسيتين. النقطة الأولى، هي العقوبات التي فرضت على نوح زعيتر وحسن دقو بسبب
تورطهم في تجارة المخدرات وتهريبها. والنقطة الثانية، هي العقوبات التي فرضت على الأخوين
ريمون وتيدي رحمة، وذلك بسبب تورطهم بملفات فساد. ومثل هذه الملفات تشمل قطاعات متعددة
لا سيما قطاع المحروقات والفيول لإنتاج الكهرباء. بناء على هاتين النقطتين يمكن فهم
المسار الأميركي الواضح في لبنان، لا سيما في ضوء تركيز أميركي على مسألة محاربة
"تبييض الأموال" القائم في البلاد على خلفية الاقتصاد النقدي القائم.
مؤشرات سياسية
في فرض عقوبات
على متورطين بالمخدرات، ثمة مؤشرات سياسية كثيرة لا بد من التوقف عندها. أولاً، الإضاءة
على الحدود المفتوحة بين لبنان وسوريا، والتي لطالما ركز الأميركيون على ضرورة ضبطها
ومنع عمليات التهريب عبرها. وثانياً، يأتي توقيت العقوبات على وقع التركيز الخليجي،
ولا سيما السعودي، على مسألة ضبط الحدود السورية ومنع تهريب المخدرات إلى الخليج عبر
الأردن.
أما في مسألة
فرض عقوبات بسبب الفساد على آل رحمة، فإن ذلك ينطوي على رسالة أميركية متعددة الاتجاهات،
خصوصاً لجهات سياسية لبنانية متعددة، كما لجهات خارجية أيضاً، لأن نقطة العقوبات ترتكز
على معاقبة من هو متهم بتجيير نفوذه أو استخدام سلطته لتحقيق مكاسب خاصة. وهذا ينطبق
على مسار التعاطي الفرنسي مع لبنان، سواء بما يتعلق بموقف باريس من ترشيح سليمان فرنجية،
أو موقفها سابقاً من دعم خيار نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، لأن المسألتين ترتبطان بمصالح
فرنسية ضيقة، تقوم على تعزيز عمل شركة توتال، والاستثمارات التي تقوم بها الشركات الأخرى
في المطار، ومرفأ بيروت وطرابلس، وصولاً إلى استثمارات أخرى كان آخرها الفوز بمزايدة
البريد. الآلية المتبعة فرنسياً هي نفسها الآلية التي كانت متبعة لبنانياً، وضمن نظام
المصالح المشتركة بين كل القوى السياسية، والتي انفضحت بشكل واضح وفاضح في تسوية
2016 بين سعد الحريري وجبران باسيل، وكان أربابها هم رجال الأعمال والمستثمرين والمقاولين،
والذين يتم استهدافهم أميركياً بفرض العقوبات تباعاً.
الرسالة المدوية
لا يمكن للعقوبات
على آل رحمة أن تبقى منحصرة بهما، لا بل أن شظاياه تصيب الكثيرين، الذين لا بد لهم
أن يقفوا عند تفاعلات هذه الرسالة المدوية، خصوصاً أن الرجلين لديهما علاقات قوية بجهات
سياسية متعددة، ومن مختلف التيارات. ففي السابق، قيل الكثير عن علاقة آل رحمة برئيس
التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، الذي عاد وتبرأ من هذه العلاقة وقطعها ودخل في مواجهة
معهما. كما حكي سابقاً عن علاقة بين آل رحمة ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع،
علماً أن القوات اللبنانية تضعها في خانة العلاقة المناطقية فقط، وأن آل رحمة كانوا
فقط يدعمون مهرجانات بشّري مسقط رأسهم. فيما تعتبر القوات أن شراكة آل رحمة الأساسية
هي مع باسيل ومع سليمان فرنجية.
فرنجية هو
أبرز المتضريين سياسياً من هذه العقوبات، إذ لديه علاقة قوية بآل رحمة، وعندما تم تحريك
دعوى قضائية بحق شركة سوناتراك، واستدعاء سركيس حليس إلى التحقيق، اتهم فرنجية في حينها
بأنه عمل على تخبئته في بنشعي، ورفض تسليمه إلى القضاء.
لحظة رئاسية
حاسمة
الرسالة إذاً،
تطال عدداً من الأفرقاء المسيحيين، كل بمستوى معين ودرجة مختلفة، كما أن علاقات وشراكات
آل رحمة لا تنحصر فقط بشخصيات مسيحية، لا بل بالعديد من المسؤولين السابقين والحاليين،
والذين يتم تحريك ملفات قضائية ومالية لهم في دول خارج لبنان. يعكس ذلك مساراً اميركياً
واضحاً، ليس فيه إدارة للظهر بل متابعة أميركية لمختلف الملفات اللبنانية، فيما توقيت
الخطوة يأتي على لحظة سياسية ورئاسية حاسمة وحساسة جداً. لذا لا بد من قراءة الكثير
من الجوانب والهوامش لتلك الخطوة.
على توقيتها
اختارت واشنطن الدخول إلى الاستحقاق الرئاسي اللبناني ومن بوابتها الخاصة. هي حركة
مشابهة لخطوتها في فرض عقوبات سابقاً على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس في العام
2020 وفي أعقاب المبادرة الفرنسية. تلك العقوبات التي حولها المسؤولون اللبنانيون إلى
ذريعة للإطاحة بالمبادرة الفرنسية، وكان الأميركيون خير من يعلم أن عقوباتهم ستؤدي
إلى وأد المبادرة في مهدها.
حالياً، يأتي
توقيت العقوبات بعد تمسك فرنسي بخيار فرنجية، وبعد زيارة الأخير إلى باريس. الدخول
الأميركي يوجه رسالة واضحة للجميع، حلفاء وخصوماً، بأنه لا يمكنهم الذهاب إلى حيث يريدون
من دون تنسيق معهم. فالعقوبات على آل رحمة في لبنان كما على نوح زعيتر، لها ما يقابلها
من عقوبات على النظام السوري في أعقاب السعي الى تطبيع العلاقات معه.
المصدر: المدن.
الآراء الواردة
في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".