صلاح سلام
على
طريقة «خلصت الفرحة ورجعت الفكرة» يقتحم نواب التغيير، ومعهم النواب الشباب الجدد أسوار
الباطون المحيطة بساحة النجمة، والتي طالما شكلت حاجزاً بينهم وبين الوصول إلى بيت
الأمة، في حراكهم المشهود خلال إنتفاضة ١٧ تشرين ٢٠١٩.
المواجهة
في الداخل لن تكون مفروشة بالورود والرياحين وتزينها أقواس النصر عند كل منعطف، بقدر
ما ستكون أصعب من الجولات الشرسة مع شرطة مجلس النواب طوال فترة الحراك، والتي سقط
خلالها جرحى أصيب معظمهم في عيونهم، فيما يدخل نائب حاصبيا ومرجعيون فراس حمدان قاعة
المجلس حاملاً الرصاصة التي أصيب فيها بصدره، ولم يتمكن الجراحون من إستخراجها رغم
مرور حوالي السنتين على الموقعة المشؤومة.
ليس
دقيقاً الكلام بأن إنتخاب رئيس المجلس سيكون الإختبار الأول للقوى السيادية والنواب
الشباب، لأن المسألة تكاد تكون مفروغاً منها، لأن الرئيس نبيه بري سيعود إلى الرئاسة
الثانية بالتزكية، لأن لا مرشح شيعي آخر في ميدان المنافسة، حيث أن الكوتا النيابية
الشيعية تنضوي كلها تحت جناحي حركة أمل وحزب الله.
ولكن
المحك الأول سيكون في معركة إنتخاب نائب رئيس المجلس التي ستكشف حقيقة إختراق أحزاب
السلطة للحركة التغييرية، وتحديد مواقع هذا الإختراق بالدوائر والأسماء. خاصة بعد ما
تردد عن وصول عدد من نواب الحراك بالتعاون من تحت الطاولة مع قوى تقليدية وأحزاب سلطوية
في عدد من الدوائر الإنتخابية.
ومما
يجعل هذا الإستحقاق أكثر صعوبة على النواب الشباب، هو عدم توحيد مواقفهم من مسألة المشاركة
في السلطة، تحت شعار المراقبة والمساءلة، وإطلاق محاولات الإصلاح من الداخل، أو البقاء
في مواقع المعارضة البرلمانية والتصدي لممارسات السلطة الفاسدة، وإدخال الإصلاحات الضرورية
في إدارة الجلسات النيابية، مثل التصويت الألكتروني، ووضع جردة لمشاريع القوانين المؤخرة
في أدراج المجلس وتحديد أولوياتها، وتعزيز دور المعارضة وإعلاء صوتها في جلسات المناقشة
العامة.
وفي
حال مرّ قطوع إنتخاب رئيس المجلس ونائبه بأقل قدر من الخسارة بالنسبة للمعارضة، ونواب
التغيير خاصة، فإن الإستحقاق الحكومي ، تكليفاً وتأليفاً، سيكون أكثر صعوبة، وأشد تعقيداً،
نظراً لطبيعة المهمات الموكولة للحكومة العتيدة [في حال تم تأليفها قبل إنتهاء الولاية
الرئاسية طبعاً] سواء بالنسبة لإطلاق ورشة الإصلاحات التي ما زالت متعثرة رغم محاولات
حكومة ميقاتي لإنجازها، فضلاً عن التفاوض مع صندوق النقد الدولي، أم بالنسبة للقيام
بمسؤوليات الرئاسة الأولى، في حال تعذر إنتخاب رئيس جديد، وهو الإحتمال الأكثر ترجيحاً
حتى اليوم.
ويبدو
واضحاً أن المنظومة السياسية الماكرة بدأت ترمي شباكها في أوساط النواب الجدد، متسلحة
بإغراءات السلطة، كما حصل في التداول بإسم نائب صيدا الجديد الدكتور عبدالرحمن البزري
كمرشح لرئاسة الحكومة. وما كان قد حصل قبله من طرح إسم النقيب ملحم خلف لمنصب نائب
رئيس مجلس النواب، وذلك بهدف إصابة عصفورين بحجر واحد: الأول الإمعان بمخطط زرع الشكوك
والتفريق بين مجموعات النواب الشباب، والثاني إستخدام أساليب الترغيب في لعبة إستدراج
بعض الشخصيات، وحرق بعض الأسماء في أتون السلطة، دون تمكين أصحابها من بلوغ المنصب
المطروح.
وهنا
تبرز أهمية أن تحسم قوى المعارضة مجتمعة مبدأ المشاركة في السلطة بصيغة «الحكومات التوافقية»،
أم تبقى متمسكة بالموقف المطالب بتأليف حكومة الفريق الواحد، على قاعدة الأكثرية تحكم،
والأقلية تُعارض، كائن من كانت الأكثرية، وكائن من كانت الأقلية. وهذا الواقع يكشف
حقيقة نوايا محور الممانعة من نتائج الإنتخابات: هل سيعترف الحزب وحلفاؤه بالنتائج
ويتعامل معها بواقعية، أم سيعيد تجربة التعطيل العراقية.
ولعل
أخطر ما سيواجه الفريق السيادي في البرلمان الجديد المواجهات الكلامية والمعارك الكونتيشوتية
لإلهائه عن الحديث عن سلاح الحزب، وإستنزاف الجلسات والطاقات في سجالات لا طائل منها،
على نحو ما كان يجري في المجالس السابقة، دون التوصل إلى الحلول المناسبة لمعظم الملفات
والمشاكل المطروحة على مجلس الأمة، حيث كان يتم تمرير بعض القوانين والإتفاقات مع الجهات
المانحة، التي لا تُسمن ولا تُغني عن جوع، فيما القضايا الأساسية، وخاصة الإصلاحية،
تبقى عالقة في جلسات اللجان العامة، قبل أن تُحال إلى أدراج التأجيل والنسيان.
الواقع
أن العد العكسي بدأ اليوم للسباق المحموم بين التصعيد والإنفجار الإجتماعي على إيقاع
الإرتفاع الممنهج للدولار يومياً، وبين التهدئة والإنفراج المعيشي بتغليب لغة الحكمة
والعقل برعاية عربية ودولية.
المصدر:
اللواء.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".