عمار ديوب
كان
السوريون يئنون من النقص في كل الحاجيات، قبل وقوع الزلزال، في فجر يوم 6 فبراير/ شباط
الجاري، الذي مركزه تركيا، وسورية بعد تركيا الأكثر تأثراً به، بينما تأثيره شمل كل
الدول المحيطة بتركيا. قوّة الزلزال 7،8 بمقياس ريختر، وقد تسبّب بانهيار أحياء بأكملها،
وفي سورية كانت الأحياء التي تعرّضت للضربات الجويّة على مدار السنوات السابقة الأكثر
تهدّماً، وتلتها المباني المشادة بشكل عشوائيٍّ، وغير النظامية، وعبر فساد الإدارات
المحليّة والنظام بأكمله. ولهذا جاءت أعداد المباني المنهارة وأعداد القتلى كبيرة،
وبدءاً بحلب ومناطق في إدلب، وفي اللاذقية، وجبلة، وحماه. وأمّا دمشق وأريافها وحمص،
فاقتصر تأثير الزلزال على تشقّقاتٍ بسيطة في الجدران. أمّا الهلع والرعب والخوف، فقد
عشناه جميعنا، وحتى ملايين اللاجئين السوريين في العالم، وإن كان لأهل حلب وإدلب واللاذقية
نصيب الأسد منها.
كثرة
المباني المهدّمة، وأعداد القتلى في تركيا، والتي تعرّضت منذ سنواتٍ لزلازلٍ كبيرة
توضح أن هذا البلد لم ينفذ خطة لإعادة ترميم المنازل لتكون في مواجهة الزلازل، وربما
قام بذلك فقط بما يخصّ المباني الحديثة. وفي سورية، هذا الموضوع خارج أيّة خطة حكومية،
حيث لم يعمل النظام، وقد استعاد حلب 2016، على أيِّ عملية ترميم أو إشادة فعليّة للأبنية
المتضرّرة بفعل البراميل والضربات الجوية والمدفعية. ويخص الأمر كل المناطق التي كانت
بيد الفصائل المسلحة، واستعادها النظام بفضل إيران وروسيا، والأمر ذاته، في المناطق
التي لم تتعرّض للقصف، حيث أغلبية أعمال البناء في سورية غير مصمّمة لمواجهة الزلازل،
وأغلبيتها عشوائية وتضاعفت بعد 2011، وليست ضمن المخطّط التنظيمي للمدن، وليس هناك
أيّ مخطط عمرانيٍّ في البلدات والأرياف، ولا تخضع لأيّة رقابة هندسية دقيقة. أعمال
البناء في سورية خاضعة وبشكل منهجي لآليات الفساد، وبما يؤدّي إلى نهب المواطنين لصالح
الدوائر المسيطرة على الدولة، ولا تستفيد منها خزينة وزارة المالية. وبالتالي، هي أبنية
غير مصمّمة لمواجهة عاصفة مطرية قويّة، فكيف بالزلازل أو البراكين أو الأعاصير.
ما
زال النظام يشنّ العمليات العسكرية، ويحاول تأديب المواطنين الذين كانوا تحت سيطرة
الفصائل رغم الانسحاب منها منذ 2018 وفي حلب 2016، وكذلك يقوم بعمليات عسكريّة على
إدلب او أرياف حلب، أو الحسكة، ولم يعمل شيئاً من أجل الإعمار أو إعادة اللاجئين، أو
إقامة المشاريع الإنتاجية. الأدقّ أنّه يفعل العكس تماماً. وضمن هذا السياق، ليس من
مصلحة النظام التطبيع مع تركيا وإعادة اللاجئين، حيث ليس بمقدوره تأمين احتياجاتهم،
وهم غير قادرين على العمل من دون خطّة دوليّةٍ لإعادة بناء منازلهم المدمّرة أو إصلاح
مشاريعهم للعمل من جديد، أو ضمان سلامتهم. سيستغل النظام الآن مأساة الناس ليطلب إعادة
تعويمه وشرعنته دولياً، وأن تأتي المساعدات عن طريقه، وسيحاول تقييد يد الدول والمنظمّات
الرافضة مجيء المساعدات عن طريقه، حيث ستبدو كأنّها ضد الإنسانيّة وبلا أخلاق، وكذلك
ستحاول الدول التي تؤيّد شرعنة النظام، كالجزائر والعراق ولبنان والإمارات، استغلال
الكارثة وإرسال المساعدات لدفع الرافضين شرعنته، ومن دون أيّة شروطٍ أو مبادراتٍ نحو
المناطق الخارجة عن سيطرته.
ستعمل
الدول التي ترفض أيّ تطبيعٍ مع النظام وتعويمه على إرسال المساعدات عبر تركيا، وستكون
دقيقة تجاه الأمر، ولكن حجم الكارثة كبير للغاية، ويحتاج إلى تدخلٍ دوليٍّ إنسانيٍّ،
وتنظيم هذه العملية بشكلٍ دقيق بحيث تصل المساعدات فعليّاً إلى مناطق سيطرة الفصائل
وإدلب والحسكة، وأيضاً مناطق سيطرة النظام، بعيداً عن شروط الأخير عليها. المشكلة أنَّ
النظام، وحتى منظمات كثيرة في مناطق الفصائل وإدلب و"قوات سوريا الديمقراطية"
(قسد) تلاحقها ملفات الفساد وغير موثوقة، وأوضاع الناس تحت سيطرتها في غاية السوء.
ولهذا، يجب أن تتولّى منظمات تابعة للأمم المتحدة مباشرة تقديم المساعدات وإيصال الفرق
الطبيّة والإنقاذيّة لإخراج الأحياء أو الجثث من تحت الأنقاض، وما يعقّد الأمر أن هناك
شكاوى كثيرة ضد منظمات الأمم ذاتها التي تتعامل مع أغلبية المنظمات السوّرية بالشأن
الإنساني. المشكلة الآن أنّ مأساة الزلزال تتلاقى مع عاصفةٍ ثلجية شديدة، وهناك الخوف
من ارتداداتٍ جديدةٍ للزلزال، وهناك ملايين السكان خرجوا من منازلهم إلى العراء، وهذا
ما يقلّص من القدرة على المواجهة.
نقص
المحروقات يؤخّر، وربما يعطّل، أعمال الإنقاذ، والانهيار الاقتصادي الكبير، والسابق
للزلزال، يحدُّ من قدرة المواطنين على المساعدة، وتشكّل آليات الفساد الممنهجة للنظام
السوري ومؤسّساته السبب الأكبر في تأخر عمليات الإنقاذ، حيث تصل إلينا الفيديوهات التي
تؤكد توقف وسائل الحفر والإنقاذ بسبب نقص المحروقات وضعف المساعدات للفرق العاملة في
المناطق المنكوبة. في هذا الوقت العصيب، نقرأ عن هجماتٍ للنظام على هذه المنطقة أو
تلك في أرياف حلب أو إدلب؛ وهذه أفعال أسوأ من الزلزال نفسه، وبالطبع، تُعطِّل عمليات
الإنقاذ؛ فبينما يفترض أن يقود النظام مبادرة وطنية، وفتح كل الممرّات للمساعدات، ولكافة
المنظمات الإنسانية والطبية، ومن وإلى المناطق الخارجة عن سيطرته، وكذلك السماح للأهالي
باللجوء إلى المناطق الأقل تضرّراً، وأينما كانت، فلا نقرأ عن ذلك شيئاً في الاجتماع
الوزاري الذي عقدته الحكومة في دمشق، يوم الزلزال، برئاسة بشار الأسد.
كان
يمكن لهذه المأساة أن تكون فرصة لطرح مبادرة وطنية، تتجاوز الثرثرة التافهة عن ضرورة
رفع العقوبات عن النظام، لمواجهة المأساة، وابتزاز العالم، وهو ما لا يمكن أن يحدُث؛
وأن تهيِّئ المبادرة الأجواء الإيجابية لفتح حوارٍ جادّ بين النظام والنظام الدولي
والسوريين، من أجل مواجهة أثر المأساة، وكذلك البدء بالحل السياسي وفقاً للقرارات الدولية،
لا سيما أن النظام يواجه حالياً ملفاتٍ قاسية، وستطيحه لاحقاً، كقانون مكافحة الكبتاغون
أو تحميله المسؤولية عن هجمات الكيميائي في الغوطة الشرقية، وهناك قانون قيصر، وقوانين
بالجملة تُحمِّله المسؤولية الأوّلى عما حدث في سورية.
الآن،
وفي غياب أيّة مرجعيّة أخلاقيّة أو مبادرةٍ وطنيّة لدى النظام، تقع مواجهة آثار الزلزال
على عاتق المنظمّات الدولية، ودول الجوار، والنظام العالمي، وأيضاً على السوريين، أينما
كانوا، لا سيما في أوروبا، تنظيم مبادرات للمساعدة متعدّدة الأوجه، وضمن عملية مخطّطة
تمنع تسلّل الفاسدين إليها، وبما يؤسّس للمتابعة المستقبلية لآثار الزلزال وللأوضاع
شديدة السوء للمواطنين، إذ لن تتعافى سورية، وبالطبع تركيا، قريباً من حجم الكارثة،
والتي لم تتوضح حتى هذه الساعة؛ فعدّد قتلى الزلزال تجاوز في تركيا 3400، وفي سورية
1500، وليست هناك أيّة إحصائيات عن حجم دمار المباني أو الجرحى أو المباني القابلة
للترميم؛ هي مأساة كبرى، وتتلاقى مع سورية المحطّمة منذ 2011، والتي لا يبدو أن هناك
حلّاً سياسيّاً قريباً يضعها على سكّة الإنقاذ من كل الكوارث البشرية، والطبيعية التي
حلّت بها وجديدها الزلزال المدمّر، والذي قد يتجدّد.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".