د.
محمد موسى*
الأمم
المتحدة الملتقى والحديث فيها لكل قادة الدول يتمحور حول جملة أزمات عالمية متلاحقة
على رأسها أزمات الغذاء والحبوب بالرغم من الاتفاق التاريخي بالرعاية الأممية الموقع
في إسطنبول الا ان حاجة العالم اكبر بكثير مما يسمح بتصديره حتى الساعة مما يهدد بالمجاعات
القادمة خاصة بعد تفاقم ازمة الميدان العسكري واستدعاء الاحتياط جزئيا" في روسيا
، فكيف اذا ترافق ذلك مع ازمة ديون عالمية تزداد يوما بعد يوم انه زمن التضخم العالمي
وسياسات التشدد المالي التي تعصف بالدول، وأسعار الفائدة المتصاعدة يوما بعد يوم، والدولار
الذي يقسو على كل العملات، وحروب القمح والحبوب والغذاء الآخذة بالاتساع حيث الجوع
يهدد الكثير من الدول، في زمن أسعار الطاقة التي تجتاح كل القطاعات في لحظة اضطراب
وضبابية في الاقتصاد العالمي فهل من يدرك حجم مخاطر الكوكب في زمن الصراعات المفتوحة
. لقد غدا الغذاء أحد أنواع الأسلحة في لعبة توازن الأمم ، وعليه بدا الخوف من الفراغ
الروسي الأوكراني في سلة غذاء العالم يعود الى الواجهة على أبواب الخريف و الشتاء لعام
2023، و ذلك لما تمثله الدولتان من ثقل في صادرات القمح والذرة والزيوت النباتية عالميا.
ومن جهة أخرى لا زالت العقوبات الأوروبية الغربية و الروسية بالمقابل تفاقم الازمة
وتفرخ منها ازمات، ولا أدل على ذلك من تقارير دولية أبرزها لمنظمة الأغذية العالمية،
حيث الحديث عن 33 في المائة من خبز العالم في مهب الريح، خاصة إذا ما علمنا أن أوكرانيا
تصدر معظم صادراتها الغذائية عبر البحر الأسود، و95 في المائة من تلك الصادرات عبر
ميناء أوديسا الذي يصدر بالحد الادنى منذ اندلاع الحرب وذلك تحت الوساطة التركية الأممية
فمتى يسمح بالتصدير للسلع الأساسية بأريحية ؟!!!!!
وتواجه
أوكرانيا مخاوف من الوقوع في أزمة تخزين، مع تعذر تصدير محاصيلها الصيفية القادمة والتي
باتت في مهب الريح ان لجهة الحصاد او التصريف، ناهيك عن أنه بحسب الأمم المتحدة، فإن
53 دولة حول العالم تعتمد بنسبة أعلى من 10 في المائة على وارداتها من القمح على روسيا
وأوكرانيا، و36 من هذه الدول تعتمد بنسبة أعلى من 50 في المائة من وارداتها على البلدين
المذكورين، منها كل من لبنان ومصر والكاميرون وغواتيمالا. وهندوراس ونيجيريا
وعليه،
فقد دقت منظمة الأغذية العالمية ناقوس الخطر بأن أزمة غذائية حادة ستمس أكثر من
400 مليون شخص حول العالم، 181.13 مليون منهم سيعانون من اضطراب حاد في أمنهم الغذائي،
و18.61 مليون سيواجهون حالة حرجة من الجوع، لا سيما في دول أفريقيا وآسيا، علما أن
مؤشر الغذاء العالمي حقق طفرات سعرية هائلة، ضمن أوائل العام 2022 ولولا الاتفاق لانتشال الحبوب من صوامع أوكرانيا
الذي عدل الأسعار بنسب متفاوتة لكنا على شفير الهاوية وعليه لابد من توسيع هذا الاتفاق ليشمل روسيا التي تبشر محاصيلها بالخير الوفير وعليه
لابد من سحب هذه الحبوب الى الدول المحتاجة ضمن معايير برامج المؤسسات الدولية حيث
كل الإشارات تؤكد ان المستفيدون هم من الدول المقتدرة وتاليا" من لفقراء العالم المدينون أساسا"
بأرقام تفوق تحمل الاقتصادات الضعيفة والناشئة!!!!!!.
إن
الملفت في نيويورك و خطابات القادة من على منبر الأمم المتحدة هو الجمع بين الأحاديث
عن أزمة كوفيد- 19 وما سببته من آثار اقتصادية هائلة بلغت كلفتها عشرات مليارات الدولارات،
و التأكيد أن مضاعفات أزمة الغذاء العالمي التي تجتاح آسيا وأفريقيا وتهدد بالمجاعة
بحسب الأمم المتحدة ستزداد سوءا عندما يصبح رغيف الفقراء في البازار السياسي- الاقتصادي
وحينما تلعب المواقع الجيو-سياسية لعبتها في حقول الثروات الاحفورية، لا سيما الغاز
والنفط وتكون العقوبات بين الدول أشبه بمعاقبة الكوكب وناسه في زمن التداخلات والعولمة،
حيث القرية الكونية الواحدة، هذه القرية الكونية غدت ديونها ما يفوق 300 تريليون دولار
حيث كشف تقرير لمعهد التمويل الدولي عن ارتفاع إجمالي الديون العالمية 0.2% لتبلغ
300.1 تريليون دولار في الربع الثاني من عام 2022، مقارنة بـ 299.5 تريليونا في الربع
المماثل من العام السابق
وأضاف
المعهد أن نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي بدأت بالارتفاع بعد 4 أرباع
من التراجع المتتالي، واقتربت نسبة الدين العالمي من 350% من الناتج المحلي الإجمالي
في الربع الثاني من 2022، وتوقع المعهد أن تصل هذه النسبة إلى 352 بحلول نهاية هذه
السنة، وكأني بالعالم يغرق شيئا في زمن اللا عدالة واللا توازن. هذا الكون الغارق بديونه
لا بد من إعادة هيكلته وصيغة قانون دولي جديد، حيث تتمكن الدول البائسة والجالسة على
قارعة الدول الكبرى تتسول وبفوائد عالية ظلما مرهقة شعوبها، في حين أن الديون تتركز
في أمريكا والصين والاتحاد الأوروبي.
لقد
سجلت ديون دول العالم، مستوى قياسيا من الارتفاع لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية
الثانية. ففي تقرير السياسة المالية الذي أصدره صندوق النقد الدولي عن شهر نيسان/ أبريل
الماضي 2022، جاء أن حجم هذه الديون سيرتفع خلال هذا العام إلى 296 تريليون دولار أمريكي،
أي ما يعادل 94.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلى العالمي، بينما توقع معهد التمويل
الدولي أن تتجاوز هذه الديون 300 تريليون دولار أمريكي وهذا ما جرى وسيكمل حتى نهاية
العام، ويتربع السيد الأمريكي غارقا بديون تفوق 30 تريليونا، أي عُشر ديون العالم!!
فالولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت بالفعل في كارثة اقتصادية لا يمكن السيطرة عليها،
والتضخم المفرط أصبح مرئيا في الأفق، لأنه عندما يتجاوز التضخم 8 في المائة، سيبدأ
هروب رأس المال من الأصول الدولارية إلى الذهب وغيره من الأصول الأخرى الملموسة، ما
سيؤدى إلى مزيد من التضخم، مما أجبر ذلك الاحتياطي الفيدرالي على رفع سعر الفائدة على
الدولار من أجل خفض التضخم، أو بمعنى أصح، فإن خفض التضخم حقا يتطلب رفع معدل سعر الفائدة
إلى قيمة تتجاوز التضخم الحالي الذي فاق 8 في المائة كما جرى أوائل الثمانينيات القرن
المنصرم وعليه نحن اليوم اما مشاهد تاريخية فماذا يعني ان نرى الذهب في اقل مستوى منذ
سنتين و اليورو دون حاجز 0.97 من عشرين عاما" والين الأقل منذ اكثر من 24 عاما"
و الجنيه الإسترليني دون مستويات منذ 37 عاما" اما التضخم فعاد فإلى 40 عاما"
الى الوراء، وعليه هل كل ذلك مدخلا" الى حروب أوسع قادمة؟ نسأل الله السلامة لكل
الكوكب.
*أكاديمي
وباحث في الاقتصاد السياسي
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز"