عام من المراوحة والجمود .. لبنان إلى أين؟
كانون الأول 29, 2023

د. وائل نجم

نودّع بعد أيام قليلة العام 2023 الذي طُبع للأسف بالمراوحة والجمود والتراجع على المستويات كافة، وفي كلّ يوم من المراوحة والجمود مزيد من الانهيار والتفكّك والتراجع، ومزيد من التعقيدات التي لا تنتهي فصولها، ومزيد من النكبات على المواطنين.

على المستوى السياسي ما يزال الجمود يطبع هذا المسار. أكثر من عام مرّ على الفراغ والشغور في سدّة الرئاسة الأولى ولم يجد المجلس النيابي ولا النوّاب ولا القوى السياسية التي تقود البلد سبيلاً للخروج من هذا الشغور وانتخاب رئيس جديد للبلاد وكأنّ الشخصيات السياسية الصالحة والقادرة على إدارة هذا الموقع قد انعدمت، والحقيقية مسؤولية أولئك المعطّلون لهذا الموقع الأساسي هي التي انعدمت. فإلى متى يستمر الشغور ويستمر معه التصلّب بالمواقف والتمسّك بالمصالح الخاصة والفئوية والضيّقة وتعطيل الحياة السياسية في لبنان، بل الدفع بالبلد نحو الانهيار الكلّي؟!

وعلى المستوى الاقتصادي الوضع الكارثي يواصل تقدّمه في كلّ المرافق والمفاصل. فمستوى سعر صرف الليرة اللبنانية لم يشهد أيّ تحسّن وإن كان قد راوح على مستوى سعره أمام العملات الأجنبية الأخرى، غير أنّ الحياة الاقتصادية لم تزل متعثّرة ومستوى معيشة المواطنين بالحضيض، والخدمات الأساسية المطلوبة من تعليم وطبابة وغيرها صارت بمثابة الكارثة على الناس، وهكذا ظلّ الوضع الاقتصادي في العام 2023 في حالة تراجع وانهيار مستمر.

وعلى المستوى الاجتماعي فإنّ الوضعين السياسي والاقتصادي كانا كفيلين بزيادة حجم وضغط الوضع الاجتماعي على الناس. نلمس في ذلك في العلاقات الاجتماعية التي تراجعت إلى حدود كبيرة، وفي نسب الطلاق المرتفعة، وفي نسب الزواج المتراجعة، وفي تراجع منسوب القيم في المجتمع اللبناني ومن ذلك مسألة التكافل والتضامن وغيرها من الأمور الاجتماعية.

وعلى المستوى الأمني فإنّ الأمور وإن كانت ما تزال مضبوطة إلى حدّ كبير، غير أنّ السرقات قد زادت، والتهديد بالسلاح قد زاد أيضاً، والسطو بقوة السلاح قد زاد بشكل مخيف، والفوضى الأمنية في بعض المناطق واضحة وهكذا فإنّ الأمن ليس في أحسن حالاته.

وأمّا الإدارة فهي في خبر كان. الكثير من مرافق الدولة الإدارية لا تعمل بشكلها الطبيعي لأسباب عديدة، وبالتالي فإنّ ذلك ينعكس بشكل كبير على حياة المواطنين ومصالحهم ويضطرّون في العديد من الأحيان إلى اللجوء إلى الرشوة من أجل تسيير أمورهم وهو ما يرفع من نسب الفساد في إدارات الدولة، في حين أنّ المطلوب هو مكافحة ومحاربة الفساد كجزء من عملية الإصلاح المطلوبة للخروج من الأزمة.

على كلّ حال القائمة قد تطول وتطول في توصيف حالة المراوحة والجمود على هذه المستويات والمسارات في العام 2023 من دون أي طرح للخروج من الأزمات كما لو أنّ اللبنانيين قد استسلموا للأمر الواقع. فماذا عن العام المقبل 2024؟ هل يمكن أن يحمل بشائر الفرج ؟

من الواضح حتى الآن أنّ لبنان قد انخرط أكثر من ذي قبل في دوّامة وأزمات المنطقة، بإرادة منه أو بإرادة القوى الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثّرة في المشهد المحلي، وبالتالي بات محكوماً أكثر من ذي قبل بحالة الانتظار. لبنان اليوم ينتظر ما سيتقرّر في غزة، وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على مجمل مشهد المنطقة، وما هو الوضع الذي سيكون عليه لبنان في هذه الحالة.

مشكلة اللبنانيين أنّهم دائماً ينتظرون الحلول والمن والسلوى من الخارج كما لو أنّ لهم "دالّة" على الخارج، أو لنقل على غيرهم. ينتظرون من غيرهم أن يصنعوا لهم الحلول فيما الحقيقة أنّ غيرهم يبحث عن مصالحه والنجاة لنفسه، ومن هنا فإنّ اللبنانيين يجب أن يقتنعوا أنّ وجودهم في صلب المعادلات التي تدور في المنطقة هو الكفيل بصناعة مستقبل بلدهم، لأنّهم هم الذي يشاركون في هذه الحالة بصناعة هذا المستقبل، أمّا الانتظار فإنّه سيجعلهم لقمة على مائدة أصحاب المصالح الإقليميين والدوليين، وبالتالي لا ينفع معها سياسة الانتظار. اللبنانيون مدعوون للتفيكير بشكل جدّي خارج الصندوق في العام 2024 ليس لصناعة مستقبل بلدهم فحسب، بل حتى للمشاركة في صناعة مستقبل المنطقة. فهل يفعلونها؟! أم أنّ الفرقة كفيلة بإبقائهم ضمن مربعات الانعزال التي يعيشون فيها؟!

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".