وائل نجم
خلال الأسابيع الأخيرة برز بشكل واضح التشكيك بالقضاء
اللبناني من خلال التشكيك ببعض القضاة والحديث عن استنسابيتهم ومزاجيتهم وتسييسهم لبعض
الملفات والقضايا، وقد صدرت هذه المواقف المُشكّكة من أكثر من طرف سياسي في البلد على
تناقض وخلاف فيما بينها، ولا أدري إذا كانت هذه المواقف تصب في خانة تعزيز ثقة الناس
بالقضاء وبالتالي بمؤسسات الدولة، أم أنّها تزيد من شكوك الناس بالقضاء كمؤسسة وليس
كقضاة فحسب.
وإذا راجعنا بعض المواقف التي صدرت مؤخراً نجد أنّ
حزب الله وحركة أمل وبعض الشخصيات السياسية الأخرى اتهمت المحقق العدلي بقضية مرفأ
بيروت القاضي طارق البيطار بالاستنسابية في تحقيقاته وفي عملية جمع المعطيات والمعلومات
حول القضية.
كما نجد أنّ القوات اللبنانية وبعض الشخصيات السياسية
الأخرى اتهمت مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي بأنه مفوّض حزب
الله، بمعنى آخر هي شكّكت به وبعمله واتهمته ضمناً بأنّه يعمل وفق أجندة حزب الله.
وجاء هذا الاتهام على خلفية طلب الاستماع إلى إفادة رئيس القوات في أحداث الطيونة.
كما نجد أنّ النائب السابق خالد الضاهر اتهم مفوّض
الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني الحجّار بالاستنسابية على خلفية إرسال القوّة
الضاربة إلى منزل الضاهر في ببنين بعكار ومصادرة أسلحة من منزله وتوقيف عدد من أشقائه
دون أي سبب يدعو لذلك – وفقاً لقول النائب الضاهر – بينما يسرح ويمرح المسلحون بالأسلحة
الخفيفة والمتوسطة والثقيلة في شوارع بيروت وفي بعض المناطق اللبنانية الأخرى دون حسيب
أو رقيب، بل حتى يلطقون النار على المنازل وهم مكشوفو الوجه.
وربما هناك حالات أخرى كثيرة وشبيهة بهذه الاتهامات
أو الشكوك من أكثر من طرف وفريق وحتى على مستوى الأفراد. فهل هذا نقطة قوّة للقضاء
اللبناني بحيث أنّها تظهره قضاءً غير مسيّس ولا يستنسب في أدائه، ولا يراعي القوى السياسية
مهما بلغت من القوّة والتأثير، بل يعتمد المعايير التي يراها ضرورة وتوصل إلى الحقيقية
والعدالة؟ أم ترى هي حالات تكشف هشاشة القضاء وكم هو عرضة للتأثر بتدخلات السياسيين
وخضوعه لهم وبالتالي فإنّه يمارس رغبتهم، وفي ذلك انعكاس لحجم الانقسام السياسي وحجم
التدخّل بالقضاء أكثر مما هو قناعة بالعمل من أجل إحقاق الحق والعدالة؟!
لا يمكن لأي طرف أن يجزم ويقطع بأنّ تصرفات القضاء،
وعندما نتحدث عن القضاء نتحدث عن القضاة، هي تصرفات خاضعة لمزاجية وضغوط القوى السياسية
أو هي قناعة لدى القضاة تهدف إلى كشف الحقائق وتحقيق العدالة، وربما تكون مزيجاً من
كلا الإثنين معاً.
المهم أن يدرك القضاة والقضاء والسياسيون أنّ الثقة
بالقضاء هي أساس الثقة بالدولة، والشكّ بالقضاء هو أساس "الكفر" بالدولة
وبالتالي الانحياز إلى الفوضى وإلى كل ما يقوّض البنيان ويهدم العمران وينشر الخوف
والفقر واللاستقرار. وعليه فإنّ القضاة يقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في الحفاظ على
الدولة التي باتت عرضة للانهيار والسقوط في ظل الأزمات التي تعصف بها من ناحية والضربات
التي تتلقاها من ناحية ثانية. القضاة عليهم مسؤولية الإبقاء على الثقة بهم وبالقضاء
وبالتالي الثقة بإمكانية الركون إلى الدولة وقيامها من جديد لتكون السقف الذي يستظل
به كل اللبنانيين، أمّا إذا ظلّ الناس يشعرون أنّ القضاء لا ينصفهم ولا يعطيهم حقوقهم،
بغض النظر عن السبب في ذلك، فإنّهم عند ذلك سيكون على استعداد لقلب الطاولة على الجميع
وإسقاط الهيكل فوق كل الرؤوس، فلا تساهموا أيّها القضاة في يأس الناس من القضاء والدولة
وكونوا الجسر الذي يعبر منه الناس إلى دولتهم المنشودة التي يجدون فيها الحضن الدافىء
للجميع، وإلاّ فإنّكم تكونون أول ضحايا انهيار الدولة وذهاب هيبتها.